وفي يدك السّيف الّذي امتنعت به … صفاة الهدى من أن ترقّ فتخرقا (?)
وذلك أن أصل «الخرق» أن يكون في الثوب، وهو في الصفاة استعارة، لأنه لمّا قال «ترقّ»، قربت حالها من حال الثوب، وعلى ذلك فإنّا نعلم أن «الشق» و «الصدع» حقيقة في الصّفاة، ونعلم أن «الخرق» يجامعهما في الجنس، لأن الكلّ تفريق وقطع.
ولو لم يكن «الخرق» و «الشق» واحدا، لما قلت: «شققت الثوب»، و «الشقّ عيب في الثوب»، و «تشقّق الثوب» قول من لا يستعير.
ولكن لو قلت: «خرق الحشمة»، لم يكن من الحقيقة في شيء، وكان خارجا من هذا الفن الذي نحن فيه، لأنه ليس هناك شق. ولو جاء «شقّ الحشمة» أو «صدع» مثلا، كان كذلك أعني لا يكون له أصل في الحقيقة ولا شبه بها.
ومن هذا الضرب قوله تعالى: وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ [سبأ: 19] يعدّ استعارة من حيث إن «التمزيق» للثوب في أصل اللغة، إلا أنه على ذاك راجع إلى الحقيقة، من حيث إنه تفريق على كل حال، وليس بجنس غيره، إلّا أنهم خصّوا ما كان مثل الثوب بالتمزيق، كما خصّوه بالخرق، وإلا فأنت تعلم أن تمزيق الثوب تفريق بعضه من بعض.
ومثله أن «القطع» إذا أطلق، فهو لإزالة الاتصال من الأجسام التي تلتزق أجزاؤها. وإذا جاء في تفريق الجماعة وإبعاد بعضهم عن بعض، كقوله تعالى:
وَقَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً [الأعراف: 168]، كان شبه الاستعارة، وإن كان المعنى في الموضعين على إزالة الاجتماع ونفيه.
فإن قلت: «قطع عليه كلامه»، أو قلت: «نقطع الوقت بكذا»، كان نوعا آخر.
ومن الاستعارة القريبة في الحقيقة قولهم: «أثرى فلان من المجد»، و «أفلس من المروءة»، وكقوله: [من الكامل]
إن كان أغناها السلوّ، فإنّني … أمسيت من كبدي ومنها معدما (?)