المعنى الذي اشتقّ منه للشيء في الزمان الذي تدل صيغته عليه. فإذا قلت: «ضرب زيد»، أثبتّ الضرب لزيد في زمان ماض، وإذا كان كذلك، فإذا استعير الفعل لما ليس له في الأصل، فإنه يثبت باستعارته له وصفا هو شبيه بالمعنى الذي ذلك الفعل مشتق منه.
بيان ذلك أن تقول: «نطقت الحال بكذا»، و «أخبرتني أسارير وجهه بما في ضميره»، و «كلّمتني عيناه بما يحوي قلبه»، فتجد الحال وصفا هو شبيه بالنطق من الإنسان، وذلك أن «الحال» تدلّ على الأمر ويكون فيها أمارات يعرف بها الشيء، كما أن النطق كذلك. وكذلك «العين» فيها وصف شبيه بالكلام، وهو دلالتها بالعلامات التي تظهر فيها وفي نظرها وخواصّ أوصاف يحدس بها على ما في القلوب من الإنكار والقبول.
ألا ترى إلى حديث الجمحي؟ حكي عن بعضهم أنه قال: أتيت الجمحي أستشيره في امرأة أردت التزوج بها فقال: أقصيرة هي أم غير قصيرة؟ قال: فلم أفهم ذلك. فقال لي: كأنك لم تفهم ما قلت، إنّي لأعرف في عين الرّجل إذا عرف، وأعرف فيها إذا أنكر، وأعرف إذا لم يعرف ولم ينكر، أمّا إذا عرف، فإنها تخاوص، وإذا لم يعرف ولم ينكر فإنها تسجو، وإذا أنكر فإنها تجحظ (?). أردت بقولي «قصيرة»، أي هي قصيرة النسب تعرف بأبيها أو جدّها.
قال الشيخ أبو الحسن: وهذا من قول النسّابة البكري لرؤبة بن العجاج لما أتاه، فقال لرؤبة: قصرت وعرفت. قال: وعلى هذا المعنى قول رؤبة: [من الرجز]
قد رفع العجّاج ذكري، فادعني … باسم إذا الأنساب طالت يكفني (?)
وأمر «العين» أظهر من أن تحتاج فيه إلى دليل، ولكن إذا جرى الشيء في الكلام هو دعوى في الجملة، كان الآنس للقارئ أن يقترن به ما هو شاهد فيه، فلم ير شيء أحسن من إيصال دعوى ببرهان.