تعني هدى وبيانا وحجّة وما شاكل ذلك، فالاسم في هذا كله كما تراه متناول «شيئا معلوما» يمكن أن ينصّ عليه فيقال: إنه عني بالاسم وكني به عنه ونقل عن مسمّاه الأصلي فجعل اسما له على سبيل الإعارة والمبالغة في التشبيه.
والثاني: أن يؤخذ الاسم على حقيقته، ويوضع موضعا لا يبين فيه شيء يشار إليه فيقال: هذا هو المراد بالاسم والذي استعير له، وجعل خليفة لاسمه الأصلي ونائبا منابه، ومثاله قول لبيد: [من الكامل]
وغداة ريح قد كشفت وقرّة … إذ أصبحت بيد الشّمال زمامها (?)
وذلك أنه جعل للشمال يدا، ومعلوم أنه ليس هناك مشار إليه يمكن أن تجرى اليد عليه، كإجراء «الأسد» و «السيف» على الرجل في قولك «انبرى لي أسد يزئر» و «سللت سيفا على العدوّ لا يفلّ»، و «الظباء» على «النساء» في قوله:
الظباء الغيد و «النور» على الهدى والبيان في قولك «أبديت نورا ساطعا» وكإجراء «اليد نفسها على من يعزّ مكانه كقولك «أتناز عني في يد بها أبطش، وعين بها أبصر» تريد إنسانا له حكم اليد وفعلها، وغناؤها ودفعها، وخاصّة «العين» وفائدتها، وعزّة موقعها، ولطف موضعها لأنّ معك في هذا كله ذاتا ينصّ عليها، ترى مكانها في النفس، إذا لم تجد ذكرها في اللفظ.
وليس لك شيء من ذلك في بيت لبيد، بل ليس أكثر من أن تخيّل إلى نفسك أن «الشّمال» في تصريف «الغداة» على حكم طبيعتها، كالمدبّر المصرّف لما زمامه بيده، ومقادته في كفّه، وذلك كلّه لا يتعدّى التخيّل والوهم والتقدير في النفس، من غير أن يكون هناك شيء يحسّ، وذات تتحصّل. ولا سبيل لك أن تقول: كنى باليد عن كذا، وأراد باليد هذا الشيء، أو جعل الشيء الفلانيّ «يدا» كما تقول: «كنى بالأسد عن زيد، وعنى به زيدا، وجعل زيدا أسدا»،
وإنما غايتك التي لا مطّلع وراءها أن تقول: «أراد أن يثبت للشمال في الغداة تصرّفا كتصرّف الإنسان في الشيء يقلّبه، فاستعار لها «اليد» حتى يبالغ في تحقيق الشبه، وحكم «الزمام» في