فاعلم أنك قد تجد الشيء يخلط بالضّرب الأول الذي هو استعارة من طريق اللفظ ويعدّ في قبيله، وهو إذا حقّقت ناظر إلى الضرب الآخر الذي هو مستعار من جهة المعنى وجار في سبيله. فمن ذلك قولهم: «إنه لغليظ الجحافل، وغليظ المشافر»، وذلك أنه كلام يصدر عنهم في مواضع الذّمّ، فصار بمنزلة أن يقال: كأنّ شفته في الغلظ مشفر البعير وجحفلة الفرس، وعلى ذلك قول الفرزدق: [من الطويل]
فلو كنت ضبّيّا عرفت قرابتي … ولكنّ زنجيّا غليظ المشافر (?)
فهذا يتضمّن معنى قولك: «ولكن زنجيا كأنه جمل لا يعرفني ولا يهتدي لشرفي». وهكذا ينبغي أن يكون القول في قولهم: «أنشب فيه مخالبه»، لأنّ المعنى على أن يجعل له في التعلّق بالشيء والاستيلاء عليه، حالة كحالة الأسد مع فريسته، والبازي مع صيده.
وكذا قول الحطيئة: [من الطويل]
قروا جارك العيمان لمّا جفوته … وقلّص عن برد الشّراب مشافره (?)
حقّه، إذا حقّقت، أن يكون في القبيل المعنويّ، وذلك أنه وإن كان عنى نفسه بالجار، فقد يجوز أن يقصد إلى وصف نفسه بنوع من سوء الحال، ويعطيها صفة من صفات النقص، ليزيد بذلك في التهكم بالزّبرقان، ويؤكّد ما قصده من رميه بإضاعة الضيف واطراحه وإسلامه للضرّ والبؤس، وليس ببعيد من هذه الطريقة من ابتدأ شعرا في ذمّ نفسه، ولم يرض في وصف وجهه بالتقبيح والتشويه إلا بالتصريح الصريح دون الإشارة والتنبيه:
وأما قول مزرّد: [من الطويل]
فما رقد الولدان حتى رأيته … على البكر يمريه بساق وحافر (?)