بالتشبيه كذلك. فلا يمكن أن يدّعى أنا إذا استعملنا هذا النحو من الاستعارة، فقد عمدنا إلى طريقة في المعقولات لا يعرفها غير العرب، أو لم تتفق لمن سواهم، لأن ذلك بمنزلة أن تقول: إن تركيب الكلام من الاسمين، أو من الفعل والاسم، يختصّ بلغة العرب، وإنّ الحقائق التي تذكر في أقسام الخبر ونحوه، مما لا نعقله إلّا من لغة العرب، وذلك مما لا يخفى فساده.
فإذا ذكر المجاز، وأريد أن يعدّ هذا النحو من الاستعارة فيه، فالوجه أن يضاف إلى العقلاء جملة، ولا تستعمل لفظة توهم أنه من عرف هذه اللغة وطرقها الخاصة بها، كما تقول مثلا فيما يختصّ باللغة العربية من الأحكام، نحو الإعراب بالحركات، والصّرف ومنع الصّرف، ووضع المصدر مثلا مواضع اسم الفاعل نحو «رجل صوم» و «ضيف»، وجمع الاسم على ضروب، نحو جمع السلامة والتكسير وجمع الجمع، وإعطاء الاسم الواحد في التكسير عدّة أمثلة نحو «فرخ» و «أفرخ» و «فراخ» و «فروخ»، وكالفرق بين المذكّر والمؤنّث في الخطاب وجملة الضمائر وما شاكل ذلك. ولإغفال هذا الموضع والتجوّز في العبارة عنه، دخل الغلط على من جعل الشيء من هذا الباب سرقة وأخذا حتى نعي عليه. وبيّن أنه من المعاني العاميّة والأمور المشتركة التي لا فضل فيها للعربيّ على العجميّ، ولا اختصاص له بجيل دون جيل، على ما ترى القول فيه، إن شاء الله تعالى في موضعه. وهو تعالى وليّ المنّ بالتوفيق له بفضله وجوده.
ولو أن مترجما ترجم قوله: [من المتقارب] وإلّا النّعام وحفّانه (?) ففسّر «الحفّان» باللفظ المشترك الذي هو كالأولاد والصغار، لأنه لا يجد في اللغة التي بها يترجم لفظا خاصّا، لكان مصيبا ومؤدّيا للكلام كما هو. ولو أنه ترجم قولنا: «رأيت أسدا»، تريد رجلا شجاعا، فذكر ما معناه معنى قولك: «شجاعا شديدا»، وترك أن يذكر الاسم
الخاص في تلك اللغة بالأسد على هذه الصورة، لم يكن مترجما للكلام، بل كان مستأنفا من عند نفسه كلاما.
وهذا باب من الاعتبار يحتاج إليه، فحقّه أن يحفظ، وعسى أن يجيء له زيادة بسط فيما يستقبل.