على الاستعارة»، فأطلق لفظ «الاستعارة» على وقوع «المجلس» هنا، بمعنى القوم الذين يجتمعون في الأمور، وليس «المجلس» إذا وقع على القوم من طريق التشبيه، بل على حدّ وقوع الشيء على ما يتّصل به، وتكثر ملابسته إياه. وأيّ شبه يكون بين القوم ومكانهم الذي يجتمعون فيه؟ إلّا أنه لا يعتدّ بمثل هذا، فإنّ ذلك قد يتّفق حيث ترسل العبارة.
وقال الآمديّ نفسه: «ثم قد يأتي في الشعر ثلاثة أنواع أخر، يكتسي المعنى العامّ بها بهاء وحسنا، حتى يخرج بعد عمومه إلى أن يصير مخصوصا ثم قال: وهذه الأنواع هي التي وقع عليها اسم البديع، وهي الاستعارة والطباق والتجنيس».
فهذا نصّ في وضع القوانين على أن «الاستعارة» من أقسام البديع، ولن يكون النّقل بديعا حتى يكون من أجل الشبيه على المبالغة كما بيّنت لك. وإذا كان كذلك، ثم جعل «الاستعارة» على الإطلاق بديعا، فقد أعلمك أنها اسم للضرب المخصص من النّقل دون كلّ نقل، فاعرف.
واعلم أنّا إذا أنعمنا النظر، وجدنا المنقول من أجل التشبيه على المبالغة، أحقّ بأن يوصف بالاستعارة من طريق المعنى.
بيان ذلك: أن ملك المعير لا يزول عن المستعار، واستحقاقه إيّاه لا يرتفع.
فالعاريّة إنما كانت عاريّة، لأن يد المستعير يد عليها، ما دامت يد المعير باقية، وملكه غير زائل، فلا يتصوّر أن يكون للمستعير تصرّف لم يستفده من المالك الذي أعاره، ولا أن تستقرّ يده مع زوال اليد المنقول عنها، وهذه جملة لا تراها إلّا في المنقول نقل التشبيه، لأنك لا تستطيع أن تتصوّر جري الاسم على الفرع من غير أن تحوجه إلى الأصل. كيف؟ ولا يعقل تشبيه حتى يكون هاهنا مشبّه ومشبّه به. هذا، والتشبيه ساذج مرسل، فكيف إذا كان على معنى المبالغة، على أن يجعل الثاني أنه انقلب مثلا إلى جنس الأوّل، فصار الرجل أسدا وبحرا وبدرا، والعلم نورا، والجهل ظلمة، لأنّه إذا كان على هذا الوجه، كانت حاجتك إلى أن تنظر به إلى الأصل أمسّ، لأنه إذا لم يتصوّر أن يكون هاهنا سبع من شأنه الجرأة العظيمة والبطش الشديد، كان تقديرك شيئا آخر تحوّل إلى صفته وصار في حكمه، من أبعد المحال.
وأمّا ما كان منقولا لا لأجل التشبيه، كاليد في نقلها إلى النعمة، فلا يوجد ذلك فيه، لأنك لا تثبت للنعمة بإجراء اسم «اليد» عليها شيئا من صفات الجارحة المعلومة، ولا تروم تشبيها بها البتة، لا مبالغا ولا غير مبالغ. فلو فرضنا أن تكون