يصلح له، فذكرها في أقسام البديع يقتضي أن كل موصوف بأنه مجاز، فهو بديع عندهم، حتى يكون إجراء «اليد» على النعمة بديعا، وتسمية البعير «حفضا»، والناقة «نابا»، والربيئة «عينا»، والشاة «عقيقة»، بديعا كله، وذلك بيّن الفساد.

وأمّا ما تجده في كتب اللغة من إدخال ما ليس طريق نقله التشبيه في الاستعارة، كما صنع أبو بكر بن دريد في الجمهرة، فإنه ابتدأ بابا فقال: «باب الاستعارات» ثم ذكر فيه: أن «الوغى» اختلاط الأصوات في الحرب، ثم كثر وصارت الحرب «وغى»، وأنشد (?): [من السريع]

إضمامة من ذودها الثّلاثين … لها وغى مثل وغى الثّمانين

يعني اختلاط أصواتها وذكر قولهم: «رعينا الغيث والسّماء»، يعني المطر وذكر ما هو أبعد من ذلك فقال: «الخرس»، ما تطعمه النّفساء، ثم صارت الدّعوة للولادة «خرسا» و «الإعذار» الختان، وسمّي الطعام للختان إعذارا وأن «الظعينة» أصلها المرأة في الهودج، ثم صار البعير والهودج ظعينة و «الخطر» ضرب البعير بذنبه جانبي وركيه، ثم صار ما لصق من البول بالوركين خطرا، وذكر أيضا «الرّاوية» بمعنى المزادة، و «العقيقة».

وذكر فيما بين ذكره لهذه الكلم أشياء هي استعارة على الحقيقة، على طريقة أهل الخطابة ونقد الشعر، لأنه قال: «الظمأ»، العطش وشهوة الماء، ثم كثر ذلك حتى قالوا: «ظمئت إلى لقائك»، وقال: «الوجور» ما أوجرته الإنسان من دواء أو غيره، ثم قالوا: «أوجره الرمح»، إذا طعنه في فيه.

فالوجه في هذا الذي رأوه من إطلاق «الاستعارة» على ما هو تشبيه، كما هو شرط أهل العلم بالشعر، وعلى ما ليس من التشبيه في شيء، ولكنه نقل اللفظ عن الشيء إلى الشيء بسبب اختصاص وضرب من الملابسة بينهما، وخلط أحدهما بالآخر أنهم كانوا نظروا إلى ما يتعارفه الناس في معنى العاريّة، وأنها شيء حوّل عن مالكه ونقل عن مقرّه الذي هو أصل في استحقاقه، إلى ما ليس بأصل، ولم يراعوا عرف القوم. ووزانهم في ذلك وزان من يترك عرف النحويين في «التمييز»، واختصاصهم له بما احتمل أجناسا مختلفة كالمقادير والأعداد وما شاركهما، في أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015