أفناه قيل الله للشمس اطلعي … حتّى إذا واراك أفق فارجعي (?)
فبيّن أن الفعل لله تعالى، وأنه المعيد والمبدي، والمنشئ والمفني، لأنّ المعنى في «قيل الله»، أمر الله، وإذا جعل الفناء بأمره فقد صرّح بالحقيقة وبيّن ما كان عليه من الطريقة.
واعلم أنه لا يصحّ أن يكون قول الكفّار: وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ، ومن باب التأويل والمجاز، وأن يكون الإنكار عليهم من جهة ظاهر اللفظ، وأنّ فيه إيهاما للخطأ. كيف؟ وقد قال تعالى بعقب الحكاية عنهم: وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [سورة الجاثية: 24]، والمتجوّز أو المخطئ في العبارة لا يوصف بالظن، إنّما الظانّ من يعتقد أن الأمر على ما قاله وكما يوجبه ظاهر كلامه. وكيف يجوز أن يكون الإنكار من طريق إطلاق اللفظ دون إثبات الدهر فاعلا للهلاك، وأنت ترى في نصّ القرآن ما جرى فيه اللفظ على إضافة فعل الهلاك إلى الريح مع استحالة أن تكون فاعلة، وذلك قوله عز وجل: «مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ [آل عمران: 117]، وأمثال ذلك كثير؟ ومن قدح في المجاز، وهمّ أن يصفه بغير الصدق، فقد خبط خبطا عظيما، ويهرف بما لا يخفى.
ولو لم يجب البحث عن حقيقة المجاز والعناية به، حتى تحصّل ضروبه، وتضبط أقسامه، إلا للسلامة من مثل هذه المقالة، والخلاص ممّا نحا نحو هذه الشّبهة، لكان من حقّ العاقل أن يتوفّر عليه، ويصرف العناية إليه، فكيف وبطالب الدّين حاجة ماسّة إليه من جهات يطول عدّها، وللشيطان من جانب الجهل به مداخل خفيّة يأتيهم منها، فيسرق دينهم من حيث لا يشعرون، ويلقيهم في الضلالة من حيث ظنّوا أنهم يهتدون؟ وقد اقتسمهم البلاء فيه من جانبي الإفراط والتفريط، فمن مغرور مغرى بنفيه دفعة، والبراءة منه جملة، يشمئزّ من ذكره، وينبو عن اسمه، يرى أن لزوم الظواهر فرض لازم، وضرب الخيام حولها حتم واجب، وآخر يغلو فيه ويفرط، ويتجاوز حدّه ويخبط، فيعدل عن الظاهر والمعنى عليه، ويسوم نفسه التعمّق في التأويل ولا سبب يدعو إليه.