عليه الصور وتتعاقب عليه الصناعات، وجلّ المعوّل في شرفه على ذاته، وإن كان التصوير قد يزيد في قيمته ويرفع من قدره، ومنه ما هو كالمصنوعات العجيبة من موادّ غير شريفة، فلها، ما دامت الصورة محفوظة عليها لم تنتقض، وأثر الصنعة باقيّا معها لم يبطل قيمة تغلو، ومنزلة تعلو، وللرغبة إليها انصباب، وللنفوس بها إعجاب، حتى إذا خانت الأيام فيها أصحابها، وضامت الحادثات أربابها، وفجعتهم فيها بما يسلب حسنها المكتسب بالصّنعة، وجمالها المستفاد من طريق العرض، فلم يبق إلا المادّة العارية من التصوير، والطّينة الخالية من التشكيل سقطت قيمتها، وانحطت رتبتها، وعادت الرّغبات التي كانت فيها زهدا، وأوسعتها عيون كانت تطمح إليها إعراضا دونها، وصدّا، وصارت كمن أحظاه الجدّ (?) بغير فضل كان يرجع إليه في نفسه، وقدّمه البخت من غير معنى يقضي بتقدّمه، ثم أفاق فيه الدهر عن رقدته، وتنبّه لغلطته، فأعاده إلى دقّة أصله، وقلّة فضله.
وهذا غرض لا ينال على وجهه، وطلبة لا تدرك كما ينبغي، إلا بعد مقدّمات تقدّم، وأصول تمهّد، وأشياء هي كالأدوات فيه حقّها أن تجمع، وضروب من القول هي كالمسافات دونه، يجب أن يسار فيها بالفكر وتقطع.
وأوّل ذلك وأولاه، وأحقّه بأن يستوفيه النظر ويتقصّاه، القول على «التشبيه» و «التمثيل» و «الاستعارة»، فإن هذه أصول كبيرة، كأنّ جلّ محاسن الكلام إن لم نقل: كلّها، متفرّعة عنها، وراجعة إليها، وكأنها أقطاب تدور عليها المعاني في متصرّفاتها، وأقطار تحيط بها من جهاتها، ولا يقنع طالب التحقيق أن يقتصر فيها على أمثلة تذكر،
ونظائر تعدّ، نحو أن يقال: «الاستعارة» مثل قولهم «الفكرة فخّ العمل»، وقوله: [من الطويل] وعرّي أفراس الصّبا ورواحله (?) وقوله: «السفر ميزان القوم»، وقول الأعرابي: «كانوا إذا اصطفّوا سفرت بينهم