تجاورها، ولألاء اللآلئ تناظرها تزداد جمالا في العين، ولطف موقع من حقيقة الزين. ثم هي إن حرمت صحبة تلك العقائل، وفرّق الدهر الخئون بينها وبين هاتيك النفائس، لم تعر من بهجتها الأصيلة، ولم تذهب عنها فضيلة الذّهبية. كلّا، ليس هذا بقياس الشعر الموصوف بحسن اللفظ، وإن كان لا يبعد أن يتخيّله من لا ينعم النظر، ولا يتمّ التدبّر، بل حقّ هذا المثل أن يوضع في نصرة بعض المعاني (?) الحكمية والتشبيهية بعضا، وازدياد الحسن منها بأن يجامع شكل منها شكلا، وأن يصل الذّكر بين متدانيات في ولادة العقول إياها، ومتجاورات في تنزيل الأفهام لها.
واعلم أن هذه الفصول التي قدّمتها وإن كانت قضايا لا يكاد يخالف فيها من به طرق، فإنه قد يذكر الأمر المتّفق عليه، ليبنى عليه المختلف فيه. هذا وربّ وفاق من موافق قد بقيت عليه زيادات أغفل النظر فيها، وضروب من التلخيص والتهذيب لم يبحث عن أوائلها وثوانيها، وطريقة في العبارة عن المغزى في تلك الموافقة لم يمهّدها، ودقيقة في الكشف عن الحجة على مخالف لو عرض من المتكلفين لم يجدها، حتى تراه يطلق في عرض كلامه ما يبرز به وفاقا في معرض خلاف، ويعطيك إنكارا وقد هم باعتراف، وربّ صديق والاك قلبه، وعاداك فعله، فتركك مكدودا لا تشتفي من دائك بعلاج، وتبقى منه في سوء مزاج.
واعلم أن غرضي في هذا الكلام الذي ابتدأته، والأساس الذي وضعته، أن أتوصّل إلى بيان أمر المعاني كيف تختلف وتتفق، ومن أين تجتمع وتفترق، وأفصل أجناسها وأنواعها، وأتتبّع خاصّها ومشاعها، وأبين أحوالها في كرم منصبها من العقل، وتمكّنها في نصابه، وقرب رحمها منه، أو بعدها حين تنسب عنه، وكونها كالحليف الجاري مجرى النّسب، أو الزّنيم الملصق بالقوم لا يقبلونه، ولا يمتعضون له ولا يذبّون دونه.
وإنّ من الكلام ما هو كما هو شريف في جوهره كالذهب الإبريز الذي تختلف