قال أبو القاسم الآمدي في قول البحتري (?): [من البسيط]
فصاغ ما صاغ من تبر ومن ورق … وحاك ما حاك من وشي وديباج
صوغ الغيث النبت وحوكه النبات، ليس باستعارة بل هو حقيقة، ولذلك لا يقال: «هو صائغ» ولا «كأنه صائغ» وكذلك لا يقال: «حائك» و «كأنه حائك»، على أن لفظة «حائك» خاصّة في غاية الركاكة، إذا أخرج على ما أخرجه عليه أبو تمام في قوله (?): [من الطويل]
إذا الغيث غادى نسجه خلت أنّه … خلت حقب حرس له وهو حائك
وهذا قبيح جدّا، والذي قاله البحتري: «وحاك ما حاك»، حسن مستعمل، فانظر ما بين الكلامين لتعلم ما بين الرّجلين.
قد كتبت هذا الفصل على وجهه، والمقصود منه منعه أن تطلق الاستعارة على «الصوغ» و «الحوك»، وقد جعلا فعلا للربيع، واستدلاله على ذلك بامتناع أن يقال:
«كأنه صائغ» و «كأنه حائك».
اعلم أن هذا الاستدلال كأحسن ما يكون، إلا أن الفائدة تتمّ بأن تبيّن جهته، ومن أين كان كذلك؟ والقول فيه: إن التشبيه كما لا يخفى يقتضي شيئين مشبّها ومشبّها به. ثم ينقسم إلى الصريح وغير الصريح، فالصريح أن تقول: «كأنّ زيدا الأسد»، فتذكر كل واحد من المشبّه والمشبّه به باسمه- وغير الصريح أن تسقط المشبّه به من الذكر، وتجري اسمه على المشبّه كقولك: «رأيت أسدا»، تريد رجلا شبيها بالأسد، إلا أنك تعيره اسمه مبالغة وإيهاما أن لا فصل بينه وبين الأسد، وأنه قد استحال إلى الأسدية.