يجوز خلافه، فإضافته إلى دلالة اللّغة وجعله مشروطا فيها محال لأن اللغة تجري مجرى العلامات والسّمات، ولا معنى للعلامة والسّمة حتى يحتمل الشيء ما جعلت العلامة دليلا عليه وخلافه، فإنما كانت «ما» مثلا علما للنفس، لأن هاهنا نقيضا له وهو الإثبات. وهكذا إنما كانت «من» لما يعقل، لأن هاهنا ما لا يعقل، فمن ذهب يدّعي أن في قولنا: «فعل» و «صنع» ونحوه دلالة من جهة اللغة على القادر، فقد أساء من حيث قصد الإحسان، لأنه- والعياذ بالله- يقتضي جواز أن يكون هاهنا تأثير في وجود الحادث لغير القادر، حتى يحتاج إلى تضمين اللفظ الدلالة على اختصاصه بالقادر، وذلك خطأ عظيم.
فالواجب أن يقال: «الفعل» موضوع للتأثير في وجود الحادث في اللغة، والعقل قد قضى وبتّ الحكم بأن لا حظّ في هذا التأثير لغير القادر.
وما يقوله أهل النظر من أنّ من لم يعلم الحادث موجودا من جهة القادر عليه، فهو لم يعلمه فعلا لا يخالف هذه الجملة، بل لا يصحّ حقّ صحّته إلا مع اعتبارها.
وذلك أن «الفعل» إذا كان موضوعا للتأثير في وجود الحادث، وكان العقل قد بيّن بالحجج القاطعة والبراهين الساطعة استحالة أن يكون لغير القادر تأثير في وجود الحادث، وأن يقع شيء مما ليس له صفة القادر، فمن ظنّ الشيء واقعا من غير القادر، فهو لم يعلمه فعلا، لأنه لا يكون مستحقّا هذا الاسم حتى يكون واقعا من غيره. ومن نسب وقوعه إلى ما لا يصح وقوعه منه، ولا يتصوّر أن يكون له تأثير في وجوده وخروجه من العدم، فلم يعلمه واقعا من شيء البتة. وإذا لم يعلمه واقعا من شيء، لم يعلمه فعلا، كما أنه إذا لم يعلمه كائنا بعد أن لم يكن، لم يعلمه واقعا ولا حادثا، فاعرفه.
واعلم أنك إن أردت أن ترى المجاز وقد وقع في نفس الفعل والخلق، ولحقهما من حيث هما لا إثباتهما،
وإضافتهما، فالمثال في ذلك قولهم في الرجل يشفي على هلكة ثم يتخلّص منها: «هو إنما خلق الآن» و «إنما أنشئ اليوم» و «قد عدم ثم أنشئ نشأة ثانية»، وذلك أنك تثبت هاهنا خلقا وإنشاء، من غير أن يعقل ثابتا على الحقيقة، بل على تأويل وتنزيل، وهو أن جعلت حالة إشفائه على الهلكة عدما وفناء وخروجا من الوجود، حتى أنتج هذا التقدير أن يكون خلاصه منها ابتداء وجود وخلقا وإنشاء.
أفيمكنك أن تقول في نحو: «فعل الربيع النور» بمثل هذا التأويل، فتزعم أنك