أبي أحمد الغيثين صعصعة الذي … متى تخلف الجوزاء والدّلو يمطر
أجار بنات الوائدين ومن يجر … على الموت يعلم أنه غير مخفر (?)
أفلا تراه كيف ادّعى لأبيه اسم الغيث ادّعاء من سلّم له ذلك، ومن لا يخطر بباله أنه مجاز فيه، ومتناول له من طريق التشبيه، وحتى كأنّ الأمر في هذه الشهرة بحيث يقال: «أيّ الغيثين أجود؟» فيقال: «صعصعة»، أو يقال: «الغيثان»، فيعلم أنّ أحدهما صعصعة، وحتى بلغ تمكّن ذلك في العرف إلى أن يتوقّف السامع عند إطلاق الاسم، فإذا قيل: «أتاك الغيث!»، لم يعلم أيراد صعصعة أم المطر.
وإن أردت أن تعرف مقدار ما له من القوّة في هذا التخييل، وأن مصدره مصدر الشيء المتعارف الذي لا حاجة به إلى مقدّمة يبنى عليها نحو أن تبدأ فتقول: «أبي نظير الغيث وثان له، وغيث ثان»، ثم تقول: «وهو خير الغيثين» لأنه لا يخلف إذا أخلفت الأنواء، فانظر إلى موقع الاسم، فإنك تراه واقعا موقعا لا سبيل لك فيه إلى حلّ عقد التثنية،
وتفريق المذكورين بالاسم. وذلك أن «أفعل» لا تصحّ إضافته إلى اسمين معطوف أحدهما على الآخر، فلا يقال: «جاءني أفضل زيد وعمرو»، ولا:
«إنّ أعلم بكر وخالد عندي»، بل ليس إلا أن تضيف إلى اسم مثنّى أو مجموع في نفسه، نحو: «أفضل الرّجلين»، و «أفضل الرجال». وذلك أنّ أفعل التفضيل بعض ما يضاف إليه أبدا، فحقّه أن يضاف إلى اسم يحويه وغيره. وإذا كان الأمر كذلك، علمت أنه اللّفظ بالتشبيه، والخروج عن صريح جعل اللّفظ للحقيقة متعذر عليك، إذ لا يمكنك أن تقول: «أبي أحمد الغيث والثاني له والشبيه به»، ولا شيئا من هذا النحو، لأنك تقع بذلك في إضافة «أفعل» إلى اسمين معطوف أحدهما على الآخر.
وإذ قد عرفت هذا، فانظر إلى قول الآخر (?): [من المنسرح]
قد أقحط الناس في زمانهم … حتى إذا جئت جئت بالدّرر
غيثان في ساعة لنا اتّفقا، … فمرحبا بالأمير والمطر
فإنك تراه لا يبلغ هذه المنزلة، وذلك أنه كلام من يثبته الآن غيثا ولا يدّعي فيه