وأعاده في موضع آخر، فزاد الدعوى قوّة، ومرّ فيها مرور من يقول صدقا ويذكر حقّا (?): [من المنسرح]
يا آل نوبخت لا عدمتكم … ولا تبدّلت بعدكم بدلا
إن صحّ علم النجوم، كان لكم … حقّا، إذا ما سواكم انتحلا
كم عالم فيكم وليس بأن … قاس، ولكن بأن رقي فعلا
أعلاكم في السماء مجدكم … فلستم تجهلون ما جهلا
شافهتم البدر بالسّؤال عن ال … أمر إلى أن بلغتم زحلا
وهكذا الحكم إذا استعاروا اسم الشيء بعينه من نحو شمس أو بدر أو بحر أو أسد، فإنهم يبلغون به هذا الحدّ، ويصوغون الكلام صياغات تقضي بأن لا تشبيه هناك ولا استعارة، مثاله قوله (?): [من الكامل]
قامت تظلّلني من الشمس … نفس أعزّ عليّ من نفسي
قامت تظلّلني ومن عجب … شمس تظلّلني من الشّمس
فلولا أنه أنسى نفسه أن هاهنا استعارة ومجازا من القول، وعمل على دعوى شمس على الحقيقة، لما كان لهذا التعجّب معنى، فليس ببدع ولا منكر أن يظلّل إنسان حسن الوجه إنسانا ويقيه وهجا بشخصه.
وهكذا قول البحتري (?): [من الطويل]
طلعت لهم وقت الشّروق فعاينوا … سنا الشّمس من أفق ووجهك من أفق
وما عاينوا شمسين قبلهما التقى … ضياؤهما وفقا، من الغرب والشّرق
معلوم أن القصد أن يخرج السامعين إلى التعجّب لرؤية ما لم يروه قط، ولم تجر العادة به. ولم يتمّ للتعجّب معناه الذي عناه، ولا تظهر صورته على وصفها الخاصّ، حتى يجترئ على الدّعوى جرأة من لا يتوقف ولا يخشى إنكار منكر، ولا يحفل بتكذيب الظاهر له، ويسوم النفس، شاءت أم أبت، تصوّر شمس ثانية طلعت من