نفسه، ومزاحمتها القلب في رؤيته، وغيرة القلب من العين سبب العقوبة هناك، فأمّا هاهنا فالغيرة كائنة بين الحبيب وبين شخص آخر، فاعرفه.

ولا شبهة في قصور البيت الثاني عن الأول، وأنّ للأوّل عليه فضلا كبيرا، وذلك بأن جعل بعضه يغار من بعض، وجعل الخصومة في الحبيب بين عينيه وقلبه، وهو تمام الظّرف واللطف. فأمّا الغيرة في البيت الآخر، فعلى ما

يكون أبدا. هذا، ولفظ «زنت»، وإن كان ما يتلوها من أحكام الصنعة يحسّنها، وورودها في الخبر «العين تزني»، ويؤنس بها، فليست تدع ما هو حكمها من إدخال نفرة على النفس.

وإن أردت أن ترى هذا المعنى بهذه الصنعة في أعجب صورة وأظرفها، فانظر إلى قول القائل (?): [من المتقارب]

أتتني تؤنّبني بالبكا … فأهلا بها وبتأنيبها

تقول، في قولها حشمة: … أتبكي بعين تراني بها؟

فقلت: إذا استحسنت غيركم … أمرت الدّموع بتأديبها

أعطاك بلفظة التأديب، حسن أدب اللبيب، في صيانة اللّفظ عما يحوج إلى الاعتذار، ويؤدّي إلى النّفار، إلا أن الأستاذية بعد ظاهرة في بيت ابن المعتز. وليس كل فضيلة تبدو مع البديهة، بل بعقب النّظر والرويّة، وبأن يفكّر في أول الحديث وآخره. وأنت تعلم أنه لا يكون أبلغ في الذي أراد من تعظيم شأن الذنب، من ذكر الحدّ، وأنّ ذلك لا يتمّ له إلّا بلفظة «زنت»، ومن هذه الجهة يلحق الضّيم كثيرا من شأنه وطريقه طريق أبي تمام، ولم يكن من المطبوعين.

وموضع البسط في ذلك غير هذا، فغرضي الآن أن أريك أنواعا من التخييل، وأضع شبه القوانين ليستعان بها على ما يراد بعد من التفصيل والتبيين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015