فقلت: «هيئته في تلألؤه كهيئة الضاحك»، ثم قلت: «من غير عجب»، قلت قولا غير مقبول. واعلم أنك إن عددت قول
بعض العرب: [من الرجز]
ونثرة تهزأ بالنّصال … كأنّها من خلع الهلال
الهلال الحيّة هاهنا، واللام للجنس في هذا القبيل، لم يكن لك ذلك.
وهذا نوع آخر في التعليل وهو أن يكون للمعنى من المعاني والفعل من الأفعال علّة مشهورة من طريق العادات والطباع، ثم يجيء الشاعر فيمنع أن تكون لتلك المعروفة، ويضع له علّة أخرى. مثاله قول المتنبي: [من الرمل]
ما به قتل أعاديه ولكن … يتّقي إخلاف ما ترجو الذئاب
الذي يتعارفه الناس أن الرجل إذا قتل أعاديه فلإرادته هلاكهم، وأن يدفع مضارّهم عن نفسه، وليسلم ملكه ويصفو من منازعاتهم، وقد ادّعى المتنبي كما ترى أن العلة في قتل هذا الممدوح لأعدائه غير ذلك.
واعلم أن هذا لا يكون حتى يكون في استئناف هذه العلّة المدّعاة فائدة شريفة فيما يتصل بالممدوح، أو يكون لها تأثير في الذمّ، كقصد المتنبي هاهنا في أن يبالغ في وصفه بالسّخاء والجود، وأنّ طبيعة الكرم قد غلبت عليه، ومحبّته أن يصدّق رجاء الراجين، وأن يجنّبهم الخيبة في آمالهم، قد بلغت به هذا الحدّ. فلما علم أنه إذا غدا للحرب غدت الذئاب تتوقّع أن يتسع عليها الرزق، ويخصب لها الوقت من قتلى عداه، كره أن يخلفها، وأن يخيّب رجاءها ولا يسعفها. وفيه نوع آخر من المدح، وهو أنه يهزم العدى ويكسرهم كسرا لا يطمعون بعده في المعاودة، فيستغني بذلك عن قتلهم وإراقة دمائهم، وأنه ليس ممن يسرف في القتل طاعة للغيظ والحنق، ولا يعفو إذا قدر، وما يشبه هذه الأوصاف الحميدة، فاعرفه.
ومن الغريب في هذا الجنس على تعمّق فيه، قول أبي طالب المأموني في قصيدة يمدح بها بعض الوزراء ببخارى: [من الخفيف]
مغرم بالثناء، صبّ بكسب ال … مجد، يهتزّ للسّماح ارتياحا