ولا ارتعاد السّيف من قرّة … ولا انعطاف الرمح من فرط لين
ومما حقّه أن يكون طرازا في هذا النوع قول البحتري: [من الخفيف]
يتعثّرن في النّحور وفي الأو … جه سكرا لمّا شربن الدماء
جعل فعل الطاعن بالرماح تعثّرا منها، كما جعل ابن المعتزّ تحريكه للسيف وهزّه له ارتعادا، ثم طلب للتعثّر علّة،
كما طلب هو للارتعاد، فاعرفه.
ومن هذا الباب قول علبة: [من الخفيف]
وكأن السّماء صاهرت الأر … ض فصار النّثار من كافور
وقول أبي تمام: [من الطويل]
كأنّ السحاب الغرّ غيّبن تحتها … حبيبا فما ترقا لهنّ مدامع
وقول السريّ يصف الهلال: [من المنسرح]
جاءك شهر السّرور شوّال … وغال شهر الصّيام مغتال
ثم قال:
كأنه قيد فضّة حرج … فضّ عن الصائمين فاختالوا
كل واحد من هؤلاء قد خدع نفسه عن التشبيه وغالطها، وأوهم أن الذي جرى العرف بأن يؤخذ منه الشّبه قد حضر وحصل بحضرتهم على الحقيقة، ولم يقتصر على دعوى حصوله حتى نصب له علّة، وأقام عليه شاهدا. فأثبت علبة زفافا بين السماء والأرض، وجعل أبو تمام للسحاب حبيبا قد غيّب في التراب، وادّعى السريّ أن الصائمين كانوا في قيد، وأنه كان حرجا، فلما فضّ عنهم انكسر بنصفين، أو اتسع فصار على شكل الهلال. والفرق بين بيت السريّ وبيتي الطائيّين، أن تشبيه الثلج بالكافور معتاد عامّيّ جار على الألسن، وجعل القطر الذي ينزل من السحاب دموعا، ووصف السحاب والسماء بأنها تبكي، كذلك، فأمّا تشبيه الهلال بالقيد فغير معتاد نفسه إلّا أنّ نظيره معتاد، ومعناه من حيث الصورة موجود، وأعني بالنظير ما مضى من تشبيه الهلال بالسّوار المنفصم، كما قال: [من الرمل]
حاكيا نصف سوار … من نضار يتوقّد
وكما قال السري نفسه: [من الوافر]
ولاح لنا الهلال كشطر طوق … على لبّات زرقاء اللباس