هذي النجوم هي التي ربّتهما … بحيا السحاب كما يربّي الوالد

فانظر إلى الأخوين من أدناهما … شبها بوالده، فذاك الماجد

أين الخدود من العيون نفاسة … ورئاسة، لولا القياس الفاسد

وترتيب الصنعة في هذه القطعة، أنه عمل أوّلا على قلب طرفي التشبيه، كما مضى في فصل التشبيهات، فشبّه

حمرة الورد بحمرة الخجل، ثم تناسى ذلك وخدع عنه نفسه، وحملها على أن تعتقد أنه خجل على الحقيقة. ثم لما اطمأنّ ذلك في قلبه واستحكمت صورته، طلب لذلك الخجل علّة، فجعل علّته أن فضّل على النرجس، ووضع في منزلة ليس يرى نفسه أهلا لها، فصار ينوب (?) من ذلك، ويتخوّف عيب العائب، وغميزة المستهزئ. ويجد ما يجد من مدح مدحة يظهر الكذب فيها ويفرط، حتى تصير كالهزء بمن قصد بها. ثم زادته الفطنة الثاقبة والطبع المثمر في سحر البيان، ما رأيت من وضع حجاج في شأن النرجس، وجهة استحقاقه الفضل على الورد، فجاء بحسن وإحسان لا تكاد تجد مثله إلّا له.

ومما هو خليق أن يوضع في منزلة هذه القطع، ويلحق بها في لطف الصنعة، قول أبي هلال العسكري: [من الكامل]

زعم البنفسج أنّه كعذاره … حسنا، فسلّوا من قفاه لسانه

لم يظلموا في الحكم إذ مثلوا به، … فلشدّ ما رفع البنفسج شانه (?)

وقد اتفق للمتأخرين من المحدثين في هذا الفن نكت ولطائف، وبدع وظرائف، لا يستكثر لها الكثير من الثّناء، ولا يضيق مكانها من الفضل عن سعة الإطراء، فمن ذلك قول ابن نباتة في صفة الفرس: [من الوافر]

وأدهم يستمدّ الليل منه … وتطلع بين عينيه الثّريّا

سرى خلف الصّباح يطير مشيا … ويطوي خلفه الأفلاك طيّا

فلمّا خاف وشك الفوت منه … تشبّث بالقوائم والمحيّا

وأحسن من هذا وأحكم صنعة قوله في قطعة أخرى: [من الكامل]

فكأنما لطم الصباح جبينه … فاقتصّ منه وخاض في أحشائه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015