واعلم أنه قد يجوز فيه أن تحذف الكاف وتجعل المجرور كان به، خبرا، فتقول: «فإنك الليل الذي هو مدركي»، أو «أنت الليل الذي هو مدركي»، وتقول في قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «مثل المؤمن مثل الخامة من الزرع»، «المؤمن الخامة من الزرع»، وفي قوله عليه السلام: «الناس كإبل مائة»: «الناس إبل مائة»، ويكون تقديره على أنك قدّرت مضافا محذوفا على حدّ: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: 82].
تجعل الأصل: «فإنك مثل الليل» ثم تحذف «مثلا».
والنكتة في الفرق بين هذا الضرب الذي لا بدّ للمجرور بالكاف ونحوها من وصفه بجملة من الكلام أو نحوها، وبين الضرب الأول الذي هو نحو «زيد كالأسد» أنك إذا حذفت الكاف هناك فقلت: «زيد الأسد»، فالقصد أن تبالغ في التشبيه فتجعل المذكور كأنه الأسد، وتشير إلى مثل ما يحصل لك من المعنى إذا حذفت ذكر المشبّه أصلا فقلت: «رأيت أسدا»، أو «الأسد»، فأمّا في نحو: «فإنك كالليل الذي هو مدركي»، فلا يجوز أن تقصد جعل الممدوح الليل، ولكنك تنوي أنك أردت أن تقول: «فإنك مثل الليل»، ثم حذفت المضاف من اللفظ، وأبقيت المعنى على حاله إذا لم تحذف. وأمّا هناك، فإنه وإن كان يقال أيضا إن الأصل «زيد مثل أسد» ثم تحذف فليس الحذف فيه على هذا الحدّ، بل على أنه جعل كأن لم يكن لقصد المبالغة. ألا تراهم يقولون: «جعله الأسد»؟ وبعيد أن تقول: «جعله الليل»، لأن القصد لم يقع إلى وصف في الليل كالظلمة ونحوها، وإنّما قصد الحكم الذي له، من تعميمه الآفاق، وامتناع أن يصير الإنسان إلى مكان لا يدركه الليل فيه.
وإن أردت أن تزداد علما بأن الأمر كذلك أعني أن هاهنا ما يصلح فيه التشبيه الظاهر ولا تصلح فيه المبالغة وجعل الأول الثاني فاعمد إلى ما تجد الاسم الذي افتتح به المثل فيه غير محتمل لضرب من التشبيه إذا أفرد وقطع عن الكلام بعده، كقوله تعالى: إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ [يونس: 34]، لو قلت: «إنما الحياة الدنيا ماء أنزلناه من السماء» أو «الماء ينزل من السماء فتخضرّ منه الأرض»، لم يكن للكلام وجه غير أن تقدّر حذف مثل نحو: «إنما الحياة الدنيا مثل ماء ينزل من السماء فيكون كيت وكيت»، إذ لا يتصوّر بين الحياة الدنيا والماء شبه يصحّ قصده وقد أفرد، كما قد يتخيّل في البيت أنه قصد تشبيه الممدوح بالليل في السّخط.
وهذا موضع في الجملة مشكل، ولا يمكن القطع فيه بحكم على التفصيل،