ألا ترى أن التشبيه الصريح إذا وقع بين شيئين متباعدين في الجنس، ثم لطف وحسن، لم يكن ذلك اللّطف وذلك الحسن إلا لاتفاق كان ثابتا بين المشبّه والمشبّه به من الجهة التي بها شبّهت، إلّا أنه كان خفيا لا ينجلي إلا بعد التأنّق في استحضار الصور وتذكّرها، وعرض بعضها على بعض، والتقاط النّكتة المقصودة منها، وتجريدها من سائر ما يتّصل بها، نحو أن تشبّه الشيء بالشيء في هيئة الحركة، فتطلب الوفاق بين الهيئة والهيئة مجرّدة من الجسم وسائر ما فيه من اللون وغيره من الأوصاف؟ كما فعل ابن المعتز في تشبيه البرق حيث قال (?): [من المديد]
وكأنّ البرق مصحف قار … فانطباقا مرّة وانفتاحا
لم ينظر من جميع أوصاف البرق ومعانيه إلا إلى الهيئة التي تجدها العين له من انبساط يعقبه انقباض، وانتشار يتلوه انضمام، ثم فلى نفسه عن هيئات الحركات لينظر أيّها أشبه بها، فأصاب ذلك فيما يفعله القارئ من الحركة الخاصّة في المصحف، إذا جعل يفتحه مرة ويطبقه أخرى. ولم يكن إعجاب هذا التشبيه لك وإيناسه إياك لأن
الشيئين مختلفان في الجنس أشدّ الاختلاف فقط، بل لأنّ حصل بإزاء الاختلاف اتفاق كأحسن ما يكون وأتمّه، فبمجموع الأمرين شدّة ائتلاف في شدّة اختلاف حلا وحسن، وراق وفتن.
ويدخل في هذا الوضع الحكاية المعروفة في حديث عديّ بن الرّقاع، قال جرير: «أنشدني عديّ (?): [من الكامل] عرف الديار توهّما فاعتادها