فإن قلتَ: المعنى فيه أن السؤال يَكْسِب الذُلَّ ويَنْفي العِزَّ، والذليلُ كالميت لفقد القدرة والتصرّف، فصار كتسميتهم خُمول الذكر موتاً، والذكرَ بعد الموت حياةً، كما قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه: مات خُزَّان المالِ، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مَفْقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة، قلتُ: إني آنَسُ أنهم لم يقصدوا هذا المعنى في السؤال، وإنما أرادوا الكراهة، ولذلك قال بعد البيت الذي كتبته:
كِلاَهما موتٌ، ولكنَّ ذَا ... أشدُّ مِنْ ذاك لذُلّ السُّؤالْ
هذا وليس كل ما يعبِّر عنه بالموت لأنه يُكْرَه ويَصْعُب ولا يستسلم له العاقل إلاّ بعدَ أن تُعْوِزَه الحِيَلُ فإنه يُحْمل هذا المَحْمَل، وينقادُ لهذا التأويل، أترى المتنبي في قوله:
وقد مُتّ أمْسِ بها مَوْتَةً ... ولا يَشْتَهِي الموتَ مَنْ ذَاقَهُ
أراد شيئاً غير أنه لقي شِدّةً، وأمَّا العبارة عن خمول الذكر بالموت، فإنه وإن كان يدخل في تنزيل الوجود منزلة العدم، من حيث يقال: إن الخامل لمّا لم يُذكَر ولم يَبِنْ منه