ووجه التشبيه أن القلب يحصُل بالشبهة والجهلِ، في صفة البصر إذا قَيّده دُجَى الليل فلم يجدْ منصرَفاً وإن استعيرت للضلالة والكفر، فلأنّ صاحبهما كمن يسعى في الظلمة فيذهَب في غير الطريق، وربما دُفِع إلى هُلْك وتردَّى في أُهْوِيَّة، ومن ذلك استعارة القِسْطاس للعدل ونحو ذلك من المعاني المعقولة التي تُعْطَى غيرَها صِفةَ الاستقامة والسَّداد، كما استعاره الجاحظ في فصلٍ يذكر فيه علم الكلام، فقال: هو العِيار على كل صِنَاعة، والزِّمام على كل عبارة، والقِسْطاسُ الذي به يُسْتَبان كل شيء ورُجْحَانه والراووق الذي به ىُعْرْف صفاء كل شيء وكَدَره، وهكذا إذا قيل في النَّحو: إنه ميزان الكلام ومِعْياره، فهو أخذُ شبهٍ من شيء هو جسمٌ يُحَسُّ ويشاهَد، لمعنًى يُعْلَم ويُعْقَل ولا يدخل في الحاسّة، وذلك أظهر وأبين من أن يُحتاج فيه إلى فضل بيان، وأما تفنُّنه وسَعته وتصرُّفه من مَرْضِيٍّ ومسخوطٍ، ومقبول ومرذُول، فحقُّ الكلام فيه بعدَ أن يقع الفراغُ من
تقرير الأصول، ومثال " الأصل الثاني "، وهو أخذ الشَّبه من المحسوس للمحسوس، ثم الشبهُ عَقليٌّ، قولُ النبيّ صلى الله عليه وسلم: " إياكم وخَضْراء الدِمَن "، الشبه مأخوذ للمرأة من النبات كما لا يخفى وكلاهما جسمٌ، إلا أنه لم يُقصَد بالتشبيه لونُ النبات وخُضرته، ولا طعمه ولا رائحته، ولا شكله وصورته ولا ما شاكل ذلك ولا ما يسمَّى طبعاً كالحرارة والبرودة المنسوبتين في العادة إلى العقاقير وغيرها مما يُسَخَّن بدن الحيوان ويَبْرُدُ بحصوله فيها، ولا شيءٌ من هذا الباب بل القصدُ شَبَهٌ عقليٌّ بين المرأة الحسناءِ في المنبت السوء، وبين تلك النابتة على الدِِّمنة، وهو حُسْنُ الظاهر في رأى العين مع فساد الباطن، وطيبُ الفَرع مع خبث الأصل، وكما أنهم إذا قالوا: هو عَسَلٌ إذا ياسرتَه، وإن عاسَرتَه فهو صَاب، كما قال: قرير الأصول، ومثال " الأصل الثاني "، وهو أخذ الشَّبه من المحسوس