اسرار البلاغه (صفحة 59)

إلاّ أنهم خصّوا ما كان مثل الثوب بالتمزيق، كما خصُّوه بالخرق، وإلا فأنت تعلم أن تمزيق الثوب تفريقُ بعضه من بعض، ومثله أن القطع إذا أطلق، فهو لإزالة الاتصال من الأجسام التي تلتزق أجزاؤها، وإذا جاء في تفريق الجماعة وإبعاد بعضه عن بعض، كقوله تعالى: " وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَماً " " الأعراف: 861 "، كان شِبْهَ الاستعارة، وإن كان المعنى في الموضعين على إزالة الاجتماع ونَفْيهِ. فإن قلت: قطع عليه كلامَهُ، أو قلت: نَقْطَع الوقت بكذا، كان نوعاً آخر، ومن الاستعارة القريبة في الحقيقة قولهم: أَثْرَى فلانٌ من المجد، وَأفلس من المروءة، وكقوله:

إنْ كانَ أغْنَاها السلُوُّ، فإنَّني ... أَمْسَيْتُ من كَبِدِي ومِنْهَا مُعْدِمَا

وذلك أن حقيقة الإثراء من الشيء، كثرته عندك، ووصفُ الرجل بأنه كثير المجْد أو قليل المروءَة، كوصفه بأنه كثير العلم أو قليل المعرفة، في كونه حقيقة، وكذلك إذا قلت: أَثْرَى من الشوق أو الحُزْن كما قال:

قَدْ وَقَفْنَا على الدِّيارِ وفي الرَّكْ ... بِ خَرِيبٌ من الغَرامِ ومُثْرِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015