له ونذكره، لم يُعقَل أنّ الإثبات واقعٌ موقعَه الذي نجده مرسوماً به في صحف العقول، أمْ قد زال عنه وجازه إلى غيره.
هذا وقولك: هلاَّ جوَّزت أن يكون فَعَلَ على الانفراد موصوفاً به، محالٌ، بعد أن نثبت أنْ لا مجازَ في دلالة اللفظ، وإنما المجاز في أمر خارج عنه، فإن قلت أردتُ هلاّ جوَّزت أن يُنسَب المجاز إلى معناه وحده، وهو إثبات الفعل فيقال: هو إثبات فعلٍ على سبيل المجاز. فإنَّ ذلك لا يتأَتَّى أيضاً إلا بعد ذكر الفاعل، لأن المجاز أو الحقيقة، إنما يَظْهر ويُتصوَّر من المثبَت والمثبَت له والإثبات، وإثبات الفعل من غير أن يقيَّد بما وقع الإثبات له، لا يصحّ الحكم عليه بمجاز أو حقيقة، فلا يمكنك أن تقول: إثبات الفعل مجاز أو حقيقة هكذا مُرسلاً، إنما تقول: إثبات الفعل للربيع مجازٌ، وإثباته للحيّ القادر حقيقة. وإذا كان الأمر كذلك علمت أنْ لا سبيل إلى الحكم بأنّ هاهنا مجازاً أو حقيقةً من طريق العقل، إلا في جملة من الكلام، وكيف يُتصوَّر خلافُ ذلك؟ ووِزان الحقيقة والمجاز العقليين، وِزَانُ الصدق والكذب، فكما يستحيل وصفُ الكَلِم المفردة بالصدق والكذب، وأنْ يُجْرَى ذلك في معانيها مفرَّقةً غير مؤلَّفةً، فيقال: رجل - على الانفراد - كذبٌ أو صدقٌ، كذلك يستحيل أن يكون هاهنا حكم بالمجاز أو الحقيقة، وأنت تنحو نحو العقل إلا في الجملة المفيدة، فاعرفه أصلاً كبيراً واللَّه الموفقُ للصواب، والمسؤولُ أن يعصم من الزَّلَل بمنّه وفضله.