وجهٌ كأنه القمر، وكأَنه فِلْقَةُ قمر، ذلك لثقته بأنّ هذا القول إذا شَاء سَحَر، وقَلَبَ الصُورَ، وأنه لا يَهاب أن يخرق الإجماع، ويسحَر العقولَ ويَقْتَسر الطباع، وهو:
يا سارقَ الأنوار من شَمْس الضُّحَى ... يا مُثْكِلي طيبَ الكَرَى ومُنَغِّصِي
أمّا ضياء الشمسِ فيك فناقصٌ ... وأرَى حَرَارةَ نارِها لم تَنْقُصِ
لم يَظْفَرِ التشبيهُ منك بطائِل ... مُتسَلِّخٌ بَهَقاً كلَوْنِ الأَبْرصِ
وقد عُلِم أنْ ليس في الدنيا مُثْلَة أخزَى وأشنعُ، ونكالٌ أبلغ وأفظع، ومَنْظرٌ أحق بأن يملأ النفوس إنكاراً، ويُزْعج القلوبَ استفظاعاً له واستنكاراً، ويُغْري الألسنةَ بالاستعاذة من سُوء القضاء، ودَرَكِ الشقاء، من أن يُصلَب المقتول ويشبَّح في الجِذع، ثم قَدْ تَرَى مَرثيةَ أبي الحسن الأنباري لابن بقيّة حين صُلب، وما صَنَع فيها من السّحر، حتى قَلَبَ جُملةَ ما يُستنكر من أحوال المصلوب إلى خِلافها، وتأَوّلَ فيها تأويلات أراك فيها وبها ما تقضي منْه العجَب:
عُلوٌّ في الحياةِ وفي المماتِ ... بحَقٍّ أَنت إحدى المعجزاتِ
كأنّ الناسَ حَوْلَك حينَ قاموا ... وُفودُ نداك أيّامَ الصِّلاتِ
كأنك قائمٌ فيهم خطيباً ... وكلُّهُمُ قيامٌ للصَّلاةِ