وقال ابن سُكّرة فأحسن:
والشعر نارٌ بلا دُخانٍ ... وللقوافِي رُقىً لَطيفهْ
لو هُجِيَ المِسْك وهْو أهلٌ ... لكل مدحٍ لصار جِيفَهْ
كَمْ من ثقيلِ المحلِّ سامٍ ... هَوت به أحْرُفٌ خَفيفهْ
وقد عرفتَ ما كان من أمر القبيلة الَّذين كانوا يعيَّرون بأَنْف الناقة، حتى قال الحطيئة:
قومٌ هُم الأَنْفُ والأذْنَابُ غيرُهُم ... ومَن يُسَوّي بأَنْف النَّاقة الذَّنَبا
فنَفَى العار، وصحّح الافتخار، وجعل ما كان نَقْصاً وشَيْناً، فضلاً وزَيْناً، وما كان لقباً ونَبْزًا يسوءُ السمع، شَرَفاً وعزّاً يرفع الطرف، وما ذاك إلا بحسن الانتزاع، ولُطف القريحة الصَّناع، والذِّهن الناقد في دقائق الإحسان والإبداع، كما كساهم الجمالَ من حي كانوا عُرُوا منه، وأثبتهم في نِصَاب الفضل من حيث نُفُوا عنه، فَلرُبَّ أنفٍ سَليم قد وَضع الشعرُ عليه حَدَّه فجدَعَه، واسمٍ رفيع قَلَب معناه حتى حطّ به صاحبَه ووَضَعه، كما قال:
يا حاجبَ الوزراء إنّك عندَهم ... سَعْدٌ ولكن أنتَ سَعْدُ الذابحُ