وغَرَضٌ من الأغراض، لولا مكان تلك الاستعارة لم يحصل لك، وجملة تلك الفائدة وذلك الغرض التشبيه، إلا أنَّ طُرُقه تختلف حتى تفوت النهايةَ، ومذاهبه تتشعب حتى لا غاية، ولا يمكن الانفصال منه إلا بفصول جمّة، وقسمة بعدَ قسمة، وأنا أرى أن أقتصر الآن على إشارة تُعرِّفُ صورته على الجملة بقدر ما تراه، وقد قَابَلَ خلافَهُ الذي هو غير المفيد، فيتمّ تصوُّرك للغرض والمراد، فإن الأشياء تزداد بياناً بالأضداد، ومثاله قولنا: رأيت أسداً، وأنت تعني رجلاً شجاعاً، وبحراً، تريد رجلاً جواداً وبدراً وشمساً، تريد إنساناً مضيء الوَجْه متهَلّلاً وسللتُ سيفاً على العدوّ تريد رجلاً ماضياً في نصرتك، أو رأياً نافذاً وما شاكل ذلك، فقد استعرت اسم الأسد للرجل، ومعلومٌ أنك أفدت بهذه الاستعارة ما لولاها لم يحصل لك، وهو المبالغة في وصف المقصود بالشجاعة، وإيقاعُك منه في نفس السامع صورة الأسد في بطشه وإقدامه وبأسه وشدّته، وسائر المعاني المركوزة في طبيعته، مما يعود إلى الجرأة، وهكذا أفدت باستعارة البحر سَعَته في الجود وفَيْضَ الكفّ، وبالشمس والبدر ما لهما من الجمال والبهاء والحسن المالئ للعيون الباهر للنواظر، وإذْ قد عرفت المثالَ في كون الاستعارة مفيدة على الجملة، وتبيّن لك مخالفةُ هذا الضرب للضرب الأوّل الذي هو غير المفيد، فإني أذكر بقية قولٍ مما يتعلق به، أعني بغير المفيد، ثم أعطف على أقسام المفيد وأنواعه، وما يتصل به ويدخل في جملته من فنون القول بتوفيق الله عز وجل،