اسرار البلاغه (صفحة 317)

وليس بمتعذِّر أن تقول غيثٌ وثانٍ للغيث اتفقا، أو تقول الأميرُ ثاني الغيث والغيثُ اتّفقَا. فقد حصل من هذا الباب أن الاسم المستعارَ كلما كان قَدمُه أثبتَ في مكانه، وكان موضعه من الكلام أضَنَّ به، وأَشَدَّ محاماةً عليه، وأمنع لك من أن تتركه وترجعَ إلى الظاهر وتصرِّح بالتشبيه، فأمرُ التخييل فيه أقوى، ودعوى المتكلم له أظهر وأتَمُّ. واعلم أن نحوَ قول البحتري:

غَيْثانِ إنْ جَدْبٌ تتابعَ أَقبلا ... وهما رَبيعُ مُؤَمِّلٍ وخَرِيفُهْ

لا يكون مما نحن بصدده في شيء، لأنّ كلَّ واحدٍ من الغيثين في هذا البيت مجازٌ، لأنه أراد أن يشبِّه كل واحد من الممدوحَين بالغيث، والذي نحن بصَدَده، هو أن يُضَمَّ المجاز إلى الحقيقة في عَقْد التثنية، ولكن إن ضممتَ إليه قوله:

فلم أَرَ ضِرغامَين أَصْدقَ منكما ... عِراكاً إذا الهَيَّابةُ النِكْسُ كَذَّبا

كان لك ذلك، لأن أحدَ الضرغامين حقيقةٌ والآخرُ مجازٌ. فإن قلت فهاهنا شيءُ يردُّك إلى ما أَبَيْتهُ من بقاءِ حُكم التشبيه في جعله أباه الغيث، وذلك أن تقدير الحقيقة في المجاز إنما يُتصوَّر في نحو بيت البحتري: "

طور بواسطة نورين ميديا © 2015