اسرار البلاغه (صفحة 316)

الغيثين لأنه لا يُخْلِف إذا أَخلفت الأَنواء، فانظر إلى موقع الاسم، فإنك تراه واقعاً موقعاً لا سبيل لك فيه إلى حلِّ عَقْد التثنية، وتفريق المذكورَين بالاسم، وذلك أن أفعل لا تصحّ إضافته إلى اسمين معطوفٍ أحدُهما على الآخر، فلا يقال جاءَني أفضل زيد وعمرو، ولا إنَّ أعلمَ بكرٍ وخالدٍ عندي، بل ليس إلا أن تُضيف إلى اسم مثنًّى أو مجموع في نفسه، نحو أفضل الرَّجلين، وأفضل الرجال، وذلك أنّ أفعل التفضيل بعضُ ما يضاف إليه أبداً، فحقّه أن يُضاف إلى اسمٍ يحويه وغيرَه، وإذا كان الأمر كذلك، علمتَ أنهَ اللَّفظ بالتشبيه، والخروجِ عن صريح جَعْلِ اللَّفظ للحقيقة متعذرٌ عليك، إذ لا يمكنك أن تقول: أبي أحمَدُ الغيثِ والثاني له والشبيه به، ولا شيئاً من هذا النحو، لأنك تقع بذلك في إضافة أفعل إلى اسمين معطوفٍ أحدهما على الآخر. وإذ قد عرفتَ هذا فانظر إلى قول الآخر:

قد أقْحَطَ الناسُ في زمانِهمُ ... حتى إذا جئتَ جئتَ بالدِّرَرِ

غَيْثَانِ في ساعةٍ لنا اتّفقا ... فمرحباً بالأمير والمَطَرِ

فإنك تَرَاهُ لا يبلغ هذه المنزلة، وذلك أنه كلامُ مَن يُثبته الآنَ غيثاً ولا يدَّعي فيه عُرْفاً جارياً، وأمراً مشهوراً مُتعارفاً، يعلم كل واحدٍ منه ما يعلمه،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015