اسرار البلاغه (صفحة 314)

وصادَفْتَ صورة المجاز تُعرِضُ عنك مرَّةً، وتَعرِضُ لك أخرى، فقوله: البدرُ بالتعريف مع قوله لا أحبّ تغيير رسمي، وتركه أن يقول رَسْمَ مِثْلي، يُخيِّلُ إليك البدر نَفسَه، وقوله في طلوع البدور بالجمع دون أن يفرد فيقول هكذا الرسم في طلوع البدور يلتفت بك إلى بدر ثانٍ، ويُعطيك الاعترافَ بالمجاز على وجه، وهكذا القول في القطعة الثانية لأنّ قوله: أنا شمس بالتنكير اعترافٌ بشمس ثانية أو كالاعتراف. ومما يدُلُّ دِلالةً واضحةً على دعوى الحقيقة، ولا يستقيم إلا عليها قولُ المتنبي:

واستقبلَتْ قَمَرَ السماءِ بوَْجهها ... فأَرَتْنِيَ القَمرين في وقتٍ معَا

أراد فأرتني الشمسَ والقمرَ، ثم غَلَّب اسمَ القمر كقول الفرزدق:

أخذنا بآفاقِ السَّماء عليكُمُ ... لنَا قَمَراها والنُّجوم الطوالعُ

لولا أنه يُخيِّل الشمسَ نفسَها، لم يكن لتغليب اسم القمر والتعريف بالألف واللام مَعْنًى، وكذلك لولا ضبطُه نفسَه حتى لا يُجرِيَ المجازَ والتشبيه في وهْمه، لكان قوله في وقت معَا، لغواً من القول، فليس بعجيبٍ أن يتراءَى لك وَجْهُ غادةٍ حَسناءَ في وقت طلوع القمر وتوسُّطه السماء، هذا أظهر من أن يخفى. وأمَّا تشبيه أبي الفتح لهذا البيت بقول القائل:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015