ومن لطيف هذا التنكير قول البحتري:
وبَدْرَين أَنْضيْنَاهما بعد ثَالثٍ ... أكلْناه بالإيجاف حتى تَمَحَّقَّا
ومما أتى مستكرهاً نابياً يتظلم منه المعنى وينكره، قولُ أبي تمام:
قَرِيبُ النَّدَى نائِي المَحَلِّ كأنّه ... هِلالٌ قريبُ النُّورِ ناءٍ مَنازلُهْ
سببُ الاستكراه، وأنّ المعنى ينبو عنه أنه يُوهم بظاهره أنّ هاهنا أهِلَّةً ليس لها هذا الحكم، أعني أنه ينأَى مكانهُ ويدنو نورُه، وذلك مُحالٌ فالذي يستقيم عليه الكلام أن يؤتى به معرَّفاً على حدّه في بيت البحتري:
كالبدْرِ أفرط في العُلوِّ وضوءُه ... للعُصْبة السَّارين جِدُّ قريب
فإن قلت أَقْطَعُ وأستأنفُ فأقولُ: كأن هلال وأسكتُ، ثم أَبتدئُ وآخُذ في الحديث عن شأنِ الهلال بقولي قريب النور ناءٍ منازله أمكنك، ولكنك تعلم ما يشكوه إليه المعنى من نبوّ اللفظ به وسوء ملاءَمة العبارة، واستقصاءُ هذا الموضع يَقْطع عن الغرض وحقُه أنه يُفرَد له فصل.
وأعود إلى حديث المجاز وإخفائه، ودعوى الحقيقة وحمل النفس على تخيُّلها،