ومما هو على طريقة بيت العبّاس في الاحتجاج، وإن خالفه فيما أذكره لك، قول الصابئ في بعض الوزراء يهنّئه بالتخلُّص من الاستِتار:
صَحَّ أنَّ الوزيرَ بدرٌ مُنيرٌ ... إذ تَوَارَى كما تَوَارَى البدورُ
غَاب لا غَابَ ثُمَّ عاد كما كا ... نَ على الأُْفْقِ طالعاً يستنيرُ
لا تسَلْني عن الوزير فقد بَيَّ ... نْتُ بالوصف أنه سَابورُ
لا خَلاَ منه صدرُ دَسْتٍ إذا ما ... قَرَّ فيه تَقِرُّ منه الصدورُ
فهو كما نراه يحتجّ أن لا مجازَ في البين، وأنَّ ذكر البدر وتسميةَ الممدوح به حقيقة، واحتجاجُه صريحٌ لقوله صح أنه كذلك، وأما احتجاج العبّاس وصاحبه في قوله قد زرَّ أزرَارهُ على القَمر، فعلى طريق الفَحْوى، فهذا وَجهُ الموافقة، وأما وَجْهُ المخالفة، فهو أنَّهما ادّعيا الشَّمس والقَمَر بأنفسهما، وادَّعى الصابئ بدراً، لا البدر على الإطلاق. ومن ادّعاه الشمس على الإطلاق قولُ بشَّار:
بَعَثْتُ بِذكْرها شِعري ... وقَدَّمتُ الهَوَى شَرَكَا
فلمَّا شاقَها قَولي ... وشَبَّ الحبُّ فاحْتَنَكَا
أتتني الشمسُ زائرةً ... ولم تكُ تبرَحُ الفَلَكَا
وَجَدتُ العيش في سُعدَى ... وكان العَيْشُ قد هَلَكَا