فالجواب إنّ الأمرَ وإن كان على ما قلتَ، فإنه في نحو هذه الأحوال التي ُقصَد فيها إلى بيان أمرٍ غير الحُسن، يصير كالشيء الذي يُعقل من طريق العُرْف، وعلى سبيل التَّبَع، فأما أن يكون الغرضُ الذي له وُضع الكلام فلا وإذا تأمّلت قوله فقلت لأصحابي هي الشمس ضوءُها قريبٌ، وقولَ بشار: " أو كبدر السماء "، وقولَ المتنبي: " كأنها الشَّمس "، علمتَ أنهم جعلوا جُلَّ غَرَضهم أن يُصِيبوا لها شبهاً في كونها قريبة بعيدةً، فأما حديث الحُسن، فدخل في القصد على الحدِّ الذي مضى في قوله، وهو للعباس أيضاً:
نِعْمةٌ كالشّمس لمَّا طَلَعت ... بَثَّت الإشراقَ في كُلّ بَلَدْ
فكما أن هذا لم يضع كلامه لجعل النعم كالشمس في الضِّياء والإشراق، ولكن عَمَّت كما تعمُّ الشمس بإشراقها كذلك لم يضع هؤلاء أبياتهم على أن يجعلوا المرأة كالشمس والبدرِ في الحسن ونورِ الوجه، بل أَمُّوا نحو المعنى الآخر، ثم حَصَل هذا لهم من غير أن احتاجوا فيه إلى تجشُّمٍ، وإذا كان الأمر كذلك، فلم يقُل إن النعمة إنما عمّت لأنها شمس، ولكن أراك لعمومها وشمولها قياساً، وتحرَّى أن يكون ذلك القياس من شيء شَرِيف له بالنعمة شبهٌ من جهة أوصافه الخاصّة، فاختار الشمس، وكذلك لم يُرد ابن أبي عيينة أن يقول إنها إنما دَنت ونَأت لأنها شمس، أو لأنها الشمس، بل قاس أمرها في ذلك كما عرّفتُك. وأمّا العبّاس فإنه قال إنها إنما كانت بحيث لا تُنال، ووجب اليأس من الوصول إليها، لأجل أنها الشمس فاعرفه فرقاً واضحاً.