وهذا نوع آخر من التخييل، وهو يرجع إلي ما مضى من تناسي التَّشبيه وصرف النفس عن توهُّمه، إلا أنَّ ما مضى مُعلَّل، وهذا غير معلّل، بيان ذلك أنهم يستعيرون الصِّفة المحسوسة من صفات الأشخاص للأوصاف المعقولة، ثم تراهم كأنهم قد وجدوا تلك الصفة بعينها، وأدركوها بأعينهم على حقيقتها، وكأنّ حديث الاستعارة والقياس لم يجرِ منهم على بال ولم يرَوْه ولا طيفَ خَيال. ومثالُه استعارتُهم العلوَّ لزيادة الرجل على غيره في الفضل والقدر والسلطان، ثم وَضْعُهم الكلام وضعَ من يذكر علُواً من طريق المكان، ألا ترى إلى قول أبي تمام:
ويَصْعَدُ حَتَّى يظُنَّ الجَهولُ ... بأنّ لَهُ حاجةً في السماءِ
فلولا قصده أن يُنْسِيَ الشبيه ويرفعَه بجهده، ويُصمِّم على إنكاره وجَحْده، فيجعله صاعداً في السماء من حيث المسافة المكانية، لمَا كان لهذا الكلام وجهٌ. ومن أبلغ ما يكون في هذا المعنى قول ابن الرومي: