وَلَمْ يجتمع شَرقٌ وغربٌ لقاصدٍ ... ولا المجدُ في كفِّ امرئٍ والدراهمُ
فهو يُسرع إلى استماع المدائح، ويُبطئ عن صِلة المادح، نعم، فإذا سُلِّم للشاعر هذا الغرض، لم يفكر في خَطَرات الظنون. وقد يجوز شيءٌ من الوَهْم الذي ذكرتُه على قولِ المتنبي:
يُعطي المُبشِّرَ بالقُصَّاد قَبْلَهُم ... كمن يُبشِّره بالماء عطشانَا
وهذا شيءٌ عَرَضِ، ولاستقصائه موضعٌ آخرُ، إن وفَّق الله. وأصل بيت الطيف المستميح، من نحو قوله:
وَإنّي لأسْتَغْشِي وما بِيَ نَعْسةٌ ... لعلَ خيالاً منكِ يَلْقَى خياليَا
وهذا الأصل غير بعيد أن يكون أيضاً من باب ما استُؤنف له علّةٌ غير معروفة، إلاّ أنه لا يبلغ في القوة ذلك المبلغ في الغرابة والبعد من العادة، وذلك أنه قد يُتصوَّر أن يُريد المُغرَمُ المتيَّم، إذا بَعُدَ عهده بحبيبه، أن يراه في المنام، وإذا أراد ذلك جاز أن يريد النوم له خاصَّةً فاعرفه. ومما يلحق بهذا الفصْل قوله:
رَحَل العزاءُ برحْلَتي فكأنني ... أتبعتُه الأَنفاسَ للتشييعِ