ليس ممن يُسْرف في القتل طاعةً للغَيْظ والحَنَق، ولا يعفو إذا قَدَر، وما يُشبه هذه الأوصاف الحَميدة فاعرفه. ومن الغريب في هذا الجنس على تَعَمُّقٍ فيه، قول أبي طالب المأموني في قصيدة يمدح بها بعض الوزراء بِبُخارى:
مُغرَمٌ بالثناءِ صَبٌّ بكسب ال ... مَجْدِ يهتزُّ للسَّماح ارتياحَا
لا يَذُوق الإغفاءَ إلاّ رجاءً ... أن يَرَى طيفَ مسْتَمِيحٍ رَوَاحَا
وكأنه شَرَطَ الرّواح على معنى أن العُفاة والرَّاجين إنّما يَحْضُرونه في صَدْر النهار على عادة السلاطين، فإذا كان الرواح ونحوه من الأوقات التي ليست من أوقاتِ الإذن قَلُّوا، فهو يشتاق إليهم فينام ليأنس برُؤية طيفهم، والإفراط في التعمّق ربما أخلَّ بالمعنى من حيث يُرَاد تأكيدُه به، ألا تَرى أن هذا الكلام قد يُوهم أنه يحتجّ له أنه ممن لا يرغب كل واحد في أخْذِ عطائه، وأنه ليس في طبقة من قيل فيه:
عَطاؤُك زَينٌ لامرئٍ إن أَصبتَه ... بخير وما كُلّ العَطاءِ يَزِينُ
وممّا يدفع عنه الاعتراض ويُوجب قلّةَ الاحتفال به، أن الشاعر يُهِمُّه أبداً إثبات ممدوحه جواداً أو توّاقاً إلى السُّؤَّال فرِحاً بهم، وأن يُبَرِّئه من عبوس البخيل وقطوب المتكلِّف في البذل، الذي يقاتل نفسه عن مالِه حتى يُقال جوادٌ، ومَنْ يهوى الثَّناء والثّراء معاً، ولا يتمكَّن في نفسه معنى قولِ أبي تمام: