اسرار البلاغه (صفحة 277)

أمرٍ من الأمور، فمن الغريب في ذلك معنى بيت فارسيٍّ ترجَمَتُهُ:

لَوْ لَم تكن نِيَّةُ الجوزاءِ خِدْمتَهُ ... لَمَا رأيتَ عليها عِقْدَ مُنْتطقِ

فهذا ليس من جنس ما مضى، أعني ما أصله التشبيه، ثم أريد التناهي في المبالغة والإغراق والإغراب. ويدخل في هذا الفن قول المتنبي:

لم يَحْكِ نائلَكَ السَّحابُ وإَّنما ... حُمَّتْ به فصبيبُها الرَُّحَضاءُ

لأنه وإن كان أصله التشبيه، من حيث يشبّه الجَوَاد بالغَيْث، فإنه وَضَعَ المعنى وضعاً وصوَّره في صورةٍ خرج معها إلى ما لا أصل له في التشبيه، فهو كالواقع بين الضَرْبَين، وقريبٌ منه في أن أصله التشبيه ثم باعده بالصنعة في تشبيهه وخلع عنه صورته خلعاً، قولُهُ:

ومَا رِيحُ الرِّياض لَها ولكن ... كَسَاها دَفْنُهُمْ في التُرْبِ طيبَا

ومن لطيف هذا النوع قولُ أبي العباس الضبّي:

لا تركننَّ إلى الفرا ... قِ وإن سَكَنْتَ إلى العِنَاقِ

فالشمسُ عِنْدَ غروبها ... تصفَرُّ من فَرَقِ الفِراقِ

ادَّعَى لتعظيم شأن الفراق أنّ ما يُرَى من الصُفرة في الشمس حين يرِقُّ نورها بدنّوها من الأرض، إنما هو لأنها تُفارق الأُفٌق الذي كانت فيه،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015