آخر فالاسمُ مستعارٌ لما أخذ له الشَّبه منه، كالنور للعلم والظلمة للجهل، والشمس للوجه الجميل، أو الرجل النبيه الجليل، وإذا لم تكن نسبةُ الشَّبَه إلى الشيء على الانفراد، وكان مركَّباً من حاله مع غيره، فليس الاسم بمستعار، ولكن مجموع الكلام مَثَل. واعلم أن هذه الأمور التي قصدتُ البحث عنها أمورٌ كأنّها معروفة مجهولة، وذلك أنها معروفة على الجملة، لا ينكر قيامَها في نفوس العارفين ذَوْقُ الكلام، والمتمهّرين في فصل جيده من رديئه، ومجهولةٌ من حيث لم يتفق فيها أوضاعٌ تجري مجرى القوانين التي يُرجَع إليها، فتُستخرج منها العلَل في حُسن ما استُحْسِن وقُبح ما استُهْجن، حتى تُعْلَم عِلْمَ اليقين غيرَ الموهوم، وتُضبَط ضبطَ المزْموم المَخْطومِ، ولعلَّ المَلال إن عرض لك، أو النشاط إن فَتَر عنك، قلتَ ما الحاجة إلى كل هذه الإطالة؟ وإنما يكفي أن يقال الاستعارة مثل كذا، فتُعَدُّ كلمات، وتُنْشَدُ أبيات، وهكذا يكفينا المَؤُونةَ في التشبيه والتمثيل يَسيرٌ من القول
فإنك تعلم أن قائلاً لو قال الخبر مثل قولنا زيد منطلق، ورضي به وقَنِع، ولم تطالبه نفسُه بأن يعرف حدّاً للخبر، إذا عرفه تَميَّز في نفسه من سائر الكلام، حتى يمكنهُ أن يعلم هاهنا كلاماً لفظُه لفظُ الخبر، وليس هو بخبرٍ، ولكنه دعاءٌ كقولنا: رحمةُ اللَّه عليه وغفر الله له ولم يجد في نفسه طلباً لأن يعرف أن الخبر هل ينقسم أو لا ينقسم، وأنّ أوّل أمره في القسمة أنه ينقسم إلى جملة من الفعل والفاعل، وجملة من مبتدأ وخبر، وأَنَّ ما عدا هذا من الكلام لا يأتلف،