اسرار البلاغه (صفحة 258)

وأَعْرَفَ بما يحفظ مَصارفها عن الخَلَل، وأن يراعَي في سياسة الخلق بالأمر والنَّهْي التي هي المقصودُ منها ترتيباً ووزناً تقع به الأفعالُ مواقعَها من الصواب، كما أنّ العارف بالقوس يراعي في تسوية جوانبها، وإقامة وَتَرها، وكيفيةِ نَزْعها ووَضْعِ السهم الموضعَ الخاصَّ منها، ما يوجب في سهامه أن تصيب الأغراض، وتُقرطس في الأَهداف، وتقع في المَقاتل، وتُصيب شاكلة الرَّمِيّ. وهكذا قول القائل وقد سمع كلاماً حسنا من رجلٍ دَميم: عَسَلٌ طيّبٌ في ظَرْفِ سَوْءٍ، ليس عَسَلٌ هاهنا على حدِّه في قولك ألفاظه عسل، لأجل أنه لم يقصد إلى بيان حال اللَّفظ الحسن وتشبيهه بالعسل في هذا الكلام، وإن كَان ذلك أمراً معتاداً، وإنما قصد إلى بيان حال الكلام الحَسَن من المتكلم المَشْنُوء في منظره، وقياسِ اجتماع فَضْلِ المخبر مع نَقْص المنظر، بالشبه المؤلَّف من العَسَل والظَّرْف، ألا ترى أن الذي يقابل الرجل هو ظَرْف سَوْءٍ وظرفُ سَوْءٍ لا يصلح تشبيهُ الرجل به على الانفراد، لأن الدَّمامةَ لا تُعطيه صفة الظَّرف من حيث هي دمامةٌ، ما لم يتقدم شيءٌ يُشبه مَا في الظرف من الكلام الحسن أو الخُلقِ الجميلِ، أو سائر المعاني التي تجعَل الأشخاصُ أوعيةً لها. فمن حقك أن تحافظ على هذا الأصل، وهو أن الشَّبَه إذا كان موجوداً في الشيء على الانفراد من غير أن يكون نتيجةً بينه وبين شيء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015