اسرار البلاغه (صفحة 253)

الممدوح بتحسين ظاهر اللفظ، واقتصر على صميم التشبيه، وأطلق اسم الجنس الخسيس كإطلاق الشريف النَّبيه، كقوله:

وإذا ما أردتُ كنتَ رِشاءً ... وإذا ما أردتُ كنتَ قَليبَا

فصَكَّ وجهَ الممدوح كما ترى بأنه رشاءٌ وقليبٌ، ولم يحتشم أن قال:

مازَال يهذِي بالمكارِم والعُلَى ... حتى ظَنَنّا أنَّه مَحْمُومُ

فجعله يهذي وجعل عليه الحُمَّى، وظنّ أنه إذاحصلَ له المبالغة في إثبات المكارم له، وجعلها مستبدّة بأفكاره وخواطره، حتى لا يصدر عنه غيرُها، فلا ضير أن يتلقَّاه بمثل هذا الخطاب الجافي، والمدح المتنافي. فكذلك أنت هذه قِصّتك، وهذه قضيّتك، في اقتراحك علينا أن نسلك بالليل في البيت طريق المبالغَة على تأويل السُّخط. فإن قلت أَفَتَرَى أن تأبَى هذا التقدير في البيت أيضاً حتى يُقْصَر التشبيهُ على ما تُفيده الجملة الجارية في صلة الذي، قلتُ إنّ ذلك الوجهُ فيما أظنُّه، فقد جاء في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم: لَيدخُلنَّ هذا الدينُ ما دَخَل عليه الليلُ، فكما تجرَّد المعنى هاهنا للحكم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015