اسرار البلاغه (صفحة 239)

وإذا قد تقرَّرتْ هذه الجملة، فإذا كان الشَبَه بين المستعار منه والمستعار له من المحسوس والغرائزِ والطِّباع وما يجري مجرَاها من الأوصاف المعروفة، كان حقّها أن يقال إنها تتضمّن التشبيه، ولا يقال إنّ فيها تمثيلاً وضَرْبَ مَثَل، وإذا كان الشَّبَه عقلياً جاز إطلاق التمثيل فيها، وأَن يقال ضُرِبَ الاسمُ مَثَلاً لكذا، كقولنا ضُرب النور مثلاً للقرآن، والحياةُ مَثَلاً للعلم. فقد حصلنا من هذه الجملة على أن المستعير يَعْمِد إلى نقل اللفظ عن أصله في اللغة إلى غيره، ويجوز به مكانَه الأصليَّ إلى مكان آخر، لأجل الأغراض التي ذكرنا من التشبيه والمبالغة والاختصار، والضَّارب للمثل لا يفعل ذلك ولا يقصِده، ولكنه يقصِد إلى تقرير الشَّبه بين الشيئين من الوجه الذي مضى، ثم إنْ وقع في أَثناء ما يُعْقَد به المثلُ من الجملة والجملتين والثلاث لفظةٌ منقولةٌ عن أصلها في اللغة، فذاك شيءٌ لم يعتمده من جهة المَثَلُ الذي هو ضاربه، وهكذا كان متعاطٍ لتشبيهٍ صريحٍ، لا يكون نَقْل اللفظ من شأنه ولا مِن مُقتضى غرضه، فإذا قلت: زيد كالأسد، وهذا الخبر كالشمس في الشهرة، وله رأيٌ كالسَّيف في المضاء، لم يكن منك نقلٌ للفظِ عن موضوعه، ولو كان الأمر على خلاف ذلك، لوجب أن لا يكون في الدنيا تشبيه إلا وهو مجاز، وهذا مُحالٌ، لأن التشبيه معنًى من المعاني وله حروف وأسماءٌ تدلّ عليه، فإذا صُرّح بذلك ما هو موضوع للدلالة عليه، كان الكلام حقيقةً كالحكم في سائر المعاني فاعرفه. واعلم أن اللفظة المستعارة لا تخلو من أن تكون اسماً أو فعلاً، فإذا كانت اسماً كان اسمَ جنس أو صفةً، فإذا كان

اسمَ جنسٍ فإنك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015