وإذا كان مَدارُ الأمر على أن العين تصف من هذا ما تصف من ذاك، لم يكن تشبيه اللجام المفضّض بالثريا إلا كتشبيه الثريا به، والحكم على أحدهما بأنه فرغٌ أو أصلٌ، يتعلق بقصد المتكلم، فما بدأ به في الذكر فقد جعله فرعاً وجعل الآخر أصلاً، وليس كذلك قولنا له خُلق كالمسك، وهو في دُنوّه بعطائه، وبُعده بعزّه وعلائه، كالبدر في ارتفاعه، مع نزول شُعاعه، لأن كون الخُلق فرعاً والمِسك أصلاً، أمرٌ واجب من حيث كان المعلوم من طريق الإحساس والعيان متقدماً على المعلوم من طريق الروِيَّة وهاجس الفكر. وحُكْم هذا في أنّ الفرع لا يخرج عن كونه فَرْعاً على الحقيقة، حكمُ ما طريق التشبيه فيه المبالغةُ من المشاهدات والمحسوسات، كقولك هو كحنك الغراب في السواد، لما هو دونه فيه، وقولك في الشيء من الفواكه مثلاً هو كالعسل، فكما لا يصحّ أن يُعْكَس فيُشبَّه حَنَك الغراب بما هودونه في السواد، والعسلُ بما لا يساويه في صِدق الحلاوة، كذلك لا يصحّ أن تقول هذا مسك كخُلق فلان، إلاّ على ما قدّمت من التخييل، ألا ترى أنه كلامٌ لا يقوله إلاّ مَن يُريد مَدْحَ المذكور؛ فأمَّا أن يكون القصدُ بيان حال المِسْك، على حدِّ قَصْدِك أن تبيّن حالَ الشيء المشبَّه بحنك الغراب