وكَوْنُ هذا التشبيه مما نحن فيه من أوضح ما يكون، فليس بخافٍ أنَّ العادة أن يشبَّه الثَّناء بالعطر ونحوه ويُشتقّ منه، وقد عَكَس كما ترى، وذلك على ادِّعاء أن ثناءه أحقُّ بصفة العطر وطيبه من العطر وأخصُّ به، وأنه قد صار أصلاً حتى إذا قيس نوعٌ من العطر عليه، فقد بُولغ في صفته بالطيب، وجُعِل له في الشرف والفضل على جنسه أوفرُ نصيب، إذ قد عرفتَ الطريقة في جعل الرفع أصلاً في التمثيل فارجع وقابلْ بينه وبين التشبيه الظاهر، تَعْلَمْ أن حاله في الحقيقة مخالفةٌ للحال ثَمَّ، وذلك أنك لا تحتاج في تشبيه البرق بالسيوف والسيوف بالبرق إلى تأويل أكثر من أنَّ العين تؤدّي إليك من حيث الشكل واللون وكيفية اللمعان، صورةً خاصّةً تجدها في كل واحد من الشيئين على الحقيقة، ولا يُمكننا أن نقول إن الثريا شُبّهت باللجام المفضَّض، وبعنقود الكرم المنوّر، وبالوشاح المفصَّل، لتأويل كذا، بل ليس بأكثر من أنّ أَنْجُم الثريا لونها لون الفِضَّة، ثم إن أجْرَامها في الصِغَر قريبة من تلك الأطراف المركَّبة على سُيُور اللِّجام، ثم إنها في الاجتماع والافتراق، على مقدارٍ قريبٍ من مواقع تلك الأطراف وكذا القول في: العنقود، فإن تلك الأنوار مشاكلةٌ لها في البياض، وفي أنها ليست متضامّة تضامَّ التلاصق، ولا هي شديدة التباين، حتى يبعد الفصل بين بعضها وبعض بل مقاديرها في القرب والبعد على صفةٍ قريبةٍ مما يتراءى في العين من مواقع تلك الأنجم.