والصُّبح في طُرّة ليلٍ مُسْفِرِ ... كأنه غُرّةُ مُهرٍ أشقرِ
وتُشبَّهُ الجواري في قدودهن بالسَّرْوِ تشبيهاً عامّيّاً مُبْتذَلاً، ثم إنهم قد جعلوا فيه الفَرْعَ أصلاً، فشبّهوا السَّرْوَ بهنّ، كقوله:
حُفَّتْ بسَرْوٍ كالقِيانِ تَلَحفّتْ ... خُضْرَ الحريرِ على قَوَامٍ مُعْتَدِلْ
فكأنّها والرِّيحَ حين تُمِيلُها ... تَبْغِي التعانُق ثم يَمْنَعُها الخَجَلْ
والمقصود من البيت الأول ظاهرٌ، وفي البيت الثاني تشبيه من جِنس الهيئة المجرَّدة من هيئات الحركة، وفيه تفصيل طريفٌ فاتنٌ، فقد رَاعَى الحركتين حركة التهيُّؤ للدنوّ والعناق، وحركة الرُّجوع إلى أصل الافتراق، وأدَّى ما يكون في الحركة الثانية من سرعةِ زائدةٍ تأديةً تحْسبَ معها السّمعَ بصراً، تبييناً للتشبيه كما هو وتصوُّراً، لأن حركة الشجرة المعتدلة في حال رجوعها إلى اعتدالها أسرعُ لا محالة من حركتها في حال خروجها عن مكانها من الاعتدال، وكذلك حركةُ من يُدركه الخجَلُ فيرتدع، أسرعُ أبداً من حركته إذا همَّ بالدنوّ، فإزعاج الخوف والوَجَل أبداً أقوى من إزعاج الرجاء والأمل، فمع الأوّل تمهُّل الاختبار، وسعة الحِوار، ومع الثاني حَفْزُ الاضطرار وسلطان الوُجوب، وأعود إلى الغَرض، ومن تشبيه السَّرو بالنساء قولُ ابن المعتزّ: