غاية ما يمكن أن يكون عليها، وهذا كلُّه مستفاد من الأوّل، ثم فيه زيادة أخرى، وهو أَخصُّ ما يُقصَد من صفة المصلوب، وهي الاستمرار على الهيئة والاستدامة لها، فأمّا قوله بعدُ: قد خامر النومَ ولم يَغِطِّ، هو وإن كان كأنه يحاول أن يرُيَنا هذه الزيادةَ من حيث يُقال إنه إذا أخذه النعاسُ فتمطَّى ثم خامرَ النومَ، فإن الهيئة الحاصلة له من جِدّه في التمطّي تبقى له فليس ببالغ مبلغَ قوله: مواصلٌ لتمطِّيه، وتقييده من بعدُ بأنه من الكسل، واحتياطه قبل بقوله " فيه لُوثتُه ". وشبيه بالأوّل في الاستقصاء قول ابن الرومي:
كَأنَّ له في الجَوِّ حَبْلاً يَبُوعُه ... إذا ما انقضى حَبْلٌ أُتيحَ لَهُ حَبْلُ
يُعانِقُ أنْفاسَ الرِّياح مُودِّعاً ... ودَاعَ رَحِيلٍ لا يُحَطُّ له رَحْلُ
فاشتراطُهُ أن يكون له بعد الحب الذي ينهي ذَرْعُه حبلٌ آخر يخرجُ من بَوْع الأوَّل إليه، كقوله مواصل لتمطِّيه من الكسل، في استيفاء الشَّبه، والتنبيه على استدامته، لأنه إذا كان لا يزال يبُوع حبلاً لم يقبِض باعَه ولم يُرسل يَدَه، وفي ذلك بقاءَ شبه المصلوب على الاتِّصال فاعرفه.
واعلم أن من حقِّك أن لا تضع الموازنة بين التشبيهين في حاجة أحدهما إلى زيادة من التأمل على وقتنا هذا ولكن تنظر إلى حالهما في قُوَى العقل ولم تسمع بواحد منهما، فتعلم أَنْ لو أرادهما مريدٌ، أو اتّفقا له جميعاً ولم يكن قد سمع بواحدٍ منهما أيُّهما كان يكون أسهلَ عليه، وأسرعَ إليه،