اسرار البلاغه (صفحة 184)

وطباعُ الصِّغَر والفَصِيلةُ مما لا يُرَى إلا نادراً، وليس الأمر في هذا النحو كالأمر في حركة الدُّولاب والرَّحا والسهم ونحو ذلك من الحركات المعتادة التي تقع في مَصارِف العيونِ كثيراً، ومما يقوَى فيها أن يكون سببُ غرابته قلّةَ رؤية العيون له، ما مضى من تشبيه الشمس بالمرآة في كفّ الأشّل، وذلك أن الهيئةَ التي تراها في حركة المرآة إذا كانت في كفّ الأشلّ، مما يُرَى نادراً وفي الأقلّ، فربما قضى الرجل دهره ولا يتفق له أن يرى مرآةً في يد مرتعش، هذا وليس موضع الغرابة من التشبيه دوام حركة المرآة في يد الأشلّ فقط، بل النكتة والمقصودُ فيما يتولَّدُ من دوام تلك الحركة من الالتماع وتموَّج الشعاع، وكونه في صورةِ حركاتٍ من جوانب الدائرة إلى وسطها، وهذه صفةٌ لا تقوم في نفس الرائي المرآةَ الدائمةَ الاضطراب، إلاّ أن يستأنف تأمّلاً، وينظر متثبِّتَاً في نظره متمهلاً، فكأن ها هنا هيئتين كلتاهما من هيئات الحركة إحداهما حركة المرآة على الخصوص الذي يوجبه ارتعاش اليد والثانية حركةُ الشعاع واضطرابُه الحادث من تلك الحركة، وإذا كان كون المرآة في يد الأشلّ مما يُرَى نادراً، ثم كانت هذه الصفة التي هي كائنةٌ في الشُّعاع، إنما تُرَى وتُدرَك في حال رؤية حركة المرآة بجَهْدٍ وبعد استئنافِ إعمالٍ للبصر، فقد بعُدت عن حدّ ما تُعْتاد رؤيته مرّتين، ودخلت في النادرِ الذي لا تألفه العيون من جهتين فاعرفه. واعلم أنه كما تُعْتَبرَ هيئة الحركة في التشبيه، فكذلك تُعْتَبَر هيئةُ السكون على الجملة وبحسب اختلافه، نحو هيْئة المضطجع وهيئة الجالس ونحو ذلك، فإذا وَقَع في شيء من هيئات الجسم في سكونه تركيبٌ وتفصيلٌ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015