صاحباه. فأصبحت عندها أنا وعياش، وحبس عنا هِشَام بن العاص، وفتن فافتتن. وقدمنا المدينة، وكنا نقول: «والله ما الله بقابل من هؤلاء توبة! قوم عرفوا الله وآمنوا بِهِ وصدقوا رسوله، ثُمَّ رجعوا عن ذَلِكَ لبلاء أصابهم من الدُّنْيَا» . وكانوا يقولونه لأنفسهم، فأنزل الله تعالى فِيهِم: قُلْ: يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ، لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ الله 39: 53 إلى قوله مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ 39: 60 [1] ، قَالَ عمر: فكتبتها بيدي، ثُمَّ بعثت بِهَا إلى هِشَام. فقال هِشَام: فلما قدمت عَلَي خرجت إلى ذي طوى [2] ، فجعلت أصعّد فيها وأصوب [3] ، لأفهمها، فعرفت أنها أنزلت فينا، لِمَا كنا نقول فِي أنفسنا ويقال فينا. فجلست عَلَى بعيري فلحقت برسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [4] .

قيل: إنه استشهد يوم أجنادين فِي خلافة أبي بكر سنة ثلاث عشرة، وقيل: بَلْ استشهد باليرموك، ضرب رجلا من غسان فقتله، فكرت غسان عَلَى هِشَام فقتلوه، وكرت عَلَيْهِ الخيل، حَتَّى عاد عَلَيْهِ عَمْرو أخوه، فجمع لحمه فدفنه [5] .

وقال خالد بن معدان: لِمَا انهزمت الروم يوم أجنادين، انتهوا إلى موضع ضيق لا يعبره إلا إنسان بعد إنسان، فجعلت الروم تقاتل عَلَيْهِ، وقد تقدموه وعبروه، فتقدم هِشَام فقاتلهم حَتَّى قتل، ووقع عَلَى تِلْكَ الثلمة فسدها، فلما انتهى المسلمون إليها هابوا أن يوطئوه الخيل، فقال عَمْرو بن العاص: «أيها الناس، إن الله قد استشهده، ورفع روحه وإنما هُوَ جثة فأوطئوه الخيل» . ثُمَّ أوطأه هُوَ، ثُمَّ تبعه الناس حَتَّى قطعوه. فلما انتهت الهزيمة ورجع المسلمون إلى المعسكر كر عَلَيْهِ عَمْرو، فجعل يجمع لحمه وعظامه وأعضاءه، ثُمَّ حمله فِي نطع [6] فواراه.

وقد روى عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أَنَّهُ قَالَ: «ابنا العاص مؤمنان» . [7] أخرجه الثلاثة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015