حسنة فلم يعملها جزي مثلها، ومن عمل حسنة جزي عشرا. ومن أنفق ماله في سبيل الله ضعفت له نفقته الدرهم بسبعمائة والدينار بسبعمائة، والصيام لله لا يعلم ثواب عامله إلا الله عز وجل". ففي هذا الحديث تفاوت الأعمال موجبان للجنة أو النار كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} وقال صلى الله عليه وسلم: "من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه دخل الجنة". وعملان بمثلهما السيئة بواحدة ما لم يتب منها والعزم على الحسنة ما لم يتمكن من فعلها له حسنة فإن فعلها فله عشر حسنات؛ وفي الحديث: "من هم بسيئة ولم يعملها وكان تركه إياها لوجه الله فإن له بهذا الترك حسنة". أما الإنفاق في سبيل الله فإنه يضاعف مئات المرات بحسب إخلاص العبادة وقوة رغباتهم وطواعيتهم وإيثارهم لما عند الله تعالى وتقديم غيرهم على أنفسهم ثقة منهم بما عند الله عز وجل. ولو كانوا في حاجة ماسة لأن الإنفاق وقت الحاجة والفقر أعظم منه عند السعة والغنى كما قال صلى الله عليه وسلم في فضل الإنفاق أنه جهد المقل وفي الصحة والشباب وهو يرجو الغنى ويخشى الفقر لأنه يغالب شح النفس ومصداق ذلك في قوله تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} .
لأن مقياس الإنفاق بحسب دوافع النفس وأحاسيسها لا بكثرة المال وتعداده كما قال صلى الله عليه وسلم: "درهم سبق مائة ألف درهم". فقال رجل: كيف يا رسول الله؟ قال: "رجل له مال كثير فأخذ من عرضه - أي من جانبه - مائة ألف تصدق بها ورجل له درهمان فأخذ أحدهما فتصدق به". فلم يسبق الدرهم الواحد هنا مائة ألف لتميزه عنها في جنسه ولا لغلاء سعره فهو وإن كان نسبته واحدا من مائة ألف بالنسبة للإنفاق إلا أنه من جهة أخرى نسبة واحد من اثنين أي نصف مال صاحبه فكأنه تصدق بنصف ما يملك في هذا الدرهم الواحد أما صاحب المائة ألف فإن نسبة ما تصدق به نسبة جزء من كل وقد لا يؤثر عليه ولا يشعر به. فهذه منزلة الأعمال عمومها وخصوصها من حسنة إلى سبعمائة إلى مائة ألف بحسب الدوافع ونوازع النفس.
أما بالنسبة إلى الصوم لأنه فوق هذا كله وهو داخل في خصوص قوله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} وجاء عنه صلى الله عليه وسلم: "الصوم نصف الصبر".
أما المنزلة العظمى للصوم فهي في قوله صلى الله عليه وسلم: "إلا الصوم