إنه على قدر عمق التغيير الاجتماعيّ الذي حدث استبدالًا بقيم الإسلام قيم الغرب وتقاليده, فلقد حدث على نفس العمق أكبر استمساك وإصرار على النظام الإسلاميّ؛ عقيدةً وأخلاقًا وعبادةً وقانونًا, وماج العالم الإسلاميّ بحركاتٍ كثيرةٍ عميقةٍ, وأحيانًا عنيفةٍ تدعو إلى الإسلام كمنهجٍ متكامل للفرد والأسرة والمجتمع والدولة, وبدا أن الجمر يتقد تحت الرماد, فهل يتركونه حتى يكون نارًا تحرق؟ وفي نفس الوقت نور يضيء؟
أم يحاولون أن يأخذوا نوره, وأن يتقوا ناره؟
على الذين يمارسون التغيير أن يحذروا, فقد تصيبهم النار قبل أن يغشى عيونهم النور, وعليهم أن يغيروا من هدفهم, فلقد انكشف للناس, وخير للغرب أن يبتعد عن فتنة المؤمنين عن دينهم, فإن السهم قد يرتد أول ما يرتد إلى صدره، وقد تصيبه النار قبل أن يرى النور, خير أن يحتفظ بصداقة الشرق الإسلاميّ، ويحافظ على مصالحه الاقتصادية والتجارية فيه, من أن يُصِرَّ على التغيير؛ فيفقد هذه المصالح, ويجني العداء إلى الأبد.
إن المسلمين لا يعادون الذي لا يقاتلونهم في الدين ولا يخرجونهم من ديارهم, بل إنهم على العكس يسالمونهم، ويبرونهم، ويقسطون إليهم, فذلك أمر دينهم {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} 1.
لكنهم في نفس الوقت ينقلبون مع الزمن، طال أو قصر، إلى أسود غضاب إزاء من يقاتلهم في دينهم, ويفتنهم فيه, وإزاء من يخرجهم من ديارهم ويسلبهم أوطانهم؛ ذاك أمر ربهم {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} 2.