توطئة:

تقوم الحضارة الغربية الحديثة على أساسٍ من فكر فلسفيٍّ أرسى قواعده أمثال: ديكارت, صاحب منهج البحث الاستنباطي، وفرنسيس بيكون، صاحب المنهج التجريبيّ، وكومت، مؤسس المذهب الوضعي, وهو في جملته فكر ماديّ, نتج عنه بعد ذلك في أمريكا مذهب البراجماتزم أو المذهب العلمي، وهو الذي ساد الفكر الأميريكيّ منذ القرن الماضي.

وتقوم الماركسية كذلك على أساسٍ من فكرٍ ماديٍّ يعطي المادة كل شيء, ويفسر التاريخ على أساس منها, وقد أخذ كارل ماركس عن غيره من فلاسفة الغرب -كما سنشير بتفصيل في موضعه بإذن الله.

ولئن بقي في الغرب أثارة من دين وسط التيار الماديّ العارم, فإنها "غلالة" رقيقة لا نحسب أنها ستصمد طويلًا, ودليل ذلك إحصائيات كثيرة, ودليلة كذلك لجوء رجال الدين في الولايات المتحدة من أجل ترويج بضاعتهم إلى وسائل لا تتفق أبدًا مع الدين, وهو ما يحدث من دعوتهم الشباب من الجنسين عقب الصلوات إلى حفلات راقصة, تخفت فيها الأنوار, وتتلاصق الأجساد، وتنطلق الأنغام خافتة حالمة, توقظ الرغبة وتشعل الشهوة.

وبقايا الحمية الدينية عندهم لم تعد تظهر إزاء الانحرافات الخطيرة الواقعة في مجتمعاتهم, والتي تهدد مجتمعهم نفسه بالتصدع والسقوط, وإنما تظهر فقط إزاء الأديان الأخرى, وبالتحديد إزاء كل تجمع إسلاميٍّ يبغي إعادة مجد الإسلام -كما سنبينه من خلال هذا البحث.

وقيام الشرق والغرب رغم اختلافهما الظاهر على أساسٍ فكريٍّ واحد1 أمر يستلفت النظر, ويوحي بالتساؤل, تمامًا كما تشهد في طريقك بناءين مقامين على تصميمٍ هندسيٍّ واحد؛ فتشهد أن المصمم واحد, أو أنهما خريجا مدرسة واحدة, وكما نشهد خلق الله, فنجد من كل زوجين اثنين؛ الإنسان فيه الذكر والأنثى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015